كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق
"ما حمل الغساني عليه كلام الحاكم -وتبعه عليه عياض وغيره- ليس بالبيِّن، ولا أعلم أحدا روى عنهما أنهما صرحا بذلك، ولا وجود له في كتابيهما ولا خارجا عنهما، فإن كان قائل ذلك عرفه من مذهبهما بالتصفح لتصرفهما في كتابيهما فلم يصب؛ لأن الأمرين معًا في كتابيهما، وإن كان أخذه من كون ذلك أكثريًا في كتابيهما، فلا دليل فيه على كونهما اشترطاه، ولعل وجود ذلك أكثريا إنما هو لأن من روى عنه أكثر من واحد، أكثر ممن لم يرو عنه إلا واحد من الرواة مطلقا، لا بالنسبة إلى من خرج له
منهم في الصحيحين، وليس من الإنصاف إلزامهما هذا الشرط من غير أن يثبت عنهما ذلك مع وجود إخلالهما به؛ لأنهما إذا صح عنهما اشتراط ذلك كان في إخلالهما به درك عليهما." (¬1)
فقد اعترض ابن المواق على إلزام الشيخين بهذا الشرط، ونسبته لهما دون أن يصرحا بذلك، ولو كان هذا النوع هو الغالب في كتابيهما، ويشير ابن المواق بذلك إلى النسبة الغالبة في أحاديث الصحيحين - بل في الحديث عمومًا - من كون أغلب رواة الحديث قد روى عنهم أكثر من واحد.
القسم الثاني: من فهم اشتراط الحاكم لشهرة الرواة، وانتقد تعميمه ذلك على جميع ما أُخرِج في الصحيحين كابن منده (ت 470 هـ)، وابن طاهر المقدسي-ابن القيسراني (¬2) - (ت 507 هـ).
¬_________
(¬1) قال ابن حجر: "وهذا كلام مقبول وبحث قوي." السيوطي، التدريب، 1/ 135 - 136. السيوطي، البحر، 2/ 694 - 695.
(¬2) محمد بن طاهر بن علي بن أحمد الشيباني المقدسي الحافظ القيسراني, شمس الدين أبو الفضل. من حفاظ الحديث. له كتب كثيرة, منها: (أطراف الكتب الستة) و (أطراف الغرائب والأفراد) و (معرفة التذكرة في الأحاديث الموضوعة) وغيرها. ينظر: ابن العماد, الشذرات, 6/ 30. الزركلي, الأعلام, 6/ 171، كحالة, المؤلفين, 3/ 364 (13770).
الصفحة 129
626