كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

فقال: "اعلم أن شرط البخاري ومسلم أن يخرجا الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور ... فإن كان للصحابي راويان فصاعداً فحسن وإن لم يكن له إلا راوٍ واحد إذا صح الطريق إلى ذلك الراوي أخرجاه" (¬1).
ثم أيّد ما ذكره بما نقله عن ابن منده، فقال: "وأما الإمام الحافظ المتقن أبو عبدالله محمد ابن إسحاق بن منده، فأشار إلى نحو ما ذكرناه، وخلاف ما رسمه الحاكم ... - قال-: "من
حُكْم الصحابي أنه إذا روى عنه تابعي واحد -وإن كان مشهورًا مثل الشعبي (¬2) وسعيد بن المسيب (¬3) - ينسب إلى الجهالة (¬4). فإذا روى عنه رجلان صار مشهورًا، واحتج به، وعلى هذا بنى البخاري ومسلم كتابيهما الصحيحين، إلا أحرفا تبين أمرها ... " ثم عقّب ابن طاهر بقوله: "فاستثنى ابن منده أحرفاً وهو هذا النوع الذي أشرت إليه، فقد صح لديك بيان ما قدمته إليك، والله أعلم بالصواب." (¬5)
وبالنظر فيما ذكره ابن طاهر، وما استدل به من قول ابن منده، نجده موافقًا لما ذكره الحاكم من جهة أن ثلاثتهم -ابن منده والحاكم وابن طاهر - رحمهم الله- اشترطوا شهرة
¬_________
(¬1) المرجع السابق، 17 - 18.
(¬2) عامر بن شراحيل الشعبي. مات سنة: 103 أو 104 هـ. ينظر: الذهبي، الكاشف، 1/ 522 (2531)، ابن حجر، التقريب، 287 (3092).
(¬3) سعيد بن المسيب بن حزن بن أبى وهب القرشي المخزومي، أبو محمد المدني، قال عنه الذهبي: "الإمام، أحد الأعلام، وسيد التابعين، ثقة حجة فقيه، رفيع الذكر، رأس في العلم والعمل"، وقال ابن حجر: "أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل وقال ابن المديني لا أعلم في التابعين أوسع علما منه"، مات سنة 94 هـ. ينظر: الذهبي، الكاشف، 1/ 444 (1960)، ابن حجر، التقريب، 241 (2396).
(¬4) المقصود بالجهالة هنا عدم الشهرة بالرواية لا جهالة العدالة، فالصحابة كلهم عدول، وسبق بيان هذه المسألة في حاشية تعريف الحاكم في بداية الفصل، أضاف فضيلة المناقش استدراكاً: "بل المقصود عدم ثبوت صحبته".
(¬5) ابن طاهر المقدسي، المرجع السابق، 22.

الصفحة 131