كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق
إذن فوصفُ الحديث بكونه حسناً، أو وصف الإسناد بذلك موجود في كلام أئمة الحديث؛ -وإن اختلف مرادهم بذلك (¬1) - إلا أن أوّل تعريف للحسن أشار إليه العلماء هو تعريف الترمذي (¬2).
¬_________
(¬1) اعترض ابن الصلاح على ما ذهب إليه البغوي في كتابه مصابيح السنة من تقسيم الأحاديث فيها إلى صحاح وحسان، قاصداً بالصحاح ما أخرجه الشيخان، وبالحسان: ما أوردته كتب السنن كسنن أبي داود والترمذي، فقال: "فهذا اصطلاح لا يعرف، وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك. وهذه الكتب تشتمل على حسن وغير حسن" ووافقه النووي على هذا الاعتراض؛ بينما أوضح كلٌ من الزركشي وابن الملقن وابن حجر أن ما ذهب إليه البغوي هو اصطلاح خاص به في كتابه، ولا مشاحة في الاصطلاح. المراجع: ينظر: ابن الصلاح، علوم الحديث، 37، النووي، التقريب، 30، الزركشي، النكت، 1/ 342 - 343، ابن الملقن، المقنع، 1/ 97، ابن حجر، النكت، 1/ 446، السيوطي، التدريب، 1/ 179 - 180.
(¬2) ومما توصل له الدكتور الدريس - في بحثه الخاص بالحديث الحسن- أن: الحسن اُستعمل عند المحدثين بتوسع ينطوي تحته على عدة معانٍ، حتى بعد تعريف الترمذي للحسن، حيث استمر المحدثون في استعمال الحسن من دون تحديد معنى واحدٍ ومن دون تعريف دقيق مُتفق عليه.
فوجدهم يطلقون الحسن على الحديث الصحيح وما دونه؛ بل وحتى على الحديث الموضوع وإن كان نادراً جداً، وبمعنى حُسن المتن وسياقه.
ومن الأمثلة التي ذكرها على تحسينات من جاء بعد الترمذي، ما يلي:
-البزار (ت 292): ذكر الباحث أن غالب تحسيناته يقصد بها قوة السند عنده، وأن الأحاديث التي حسّنها على ثلاثة أقسام:
1 - صحيحة،
2 - فيها ضعف يسير،
3 - فيها ضعفاء أو مجاهيل شرط أن يكون الضعيف ممن روى عنه أهل العلم واحتملوه، وأن يكون الحديث سليماً من المخالفة والخطأ. أما بالنسبة لإطلاقه (حسن الحديث) على الراوي فمراده أن الراوي لا يخلو من بعض الضعف، وأن بعض ما يرويه لا بأس به. ينظر: الدريس، الحديث الحسن، 2/ 850 - 862.
-أبو الشيخ ابن حيان (ت 369): أطلق التحسين في كتابه (طبقات المحدثين بأصبهان) بمعنى الغرابة والفائدة. ينظر: المرجع السابق، 2/ 862 - 864.
-الدارقطني (ت 385): تتبع الباحث تحسينات الدارقطني حيث بلغت عنده ثلاثين نصاً وجدها موجهة لرجال السند دون التعرض للمتن، وقد استعمله في معنيين: في الحديث الصحيح عنده، وفي الحديث الذي فيه ضعف يسير عنده بما يتوافق مع الحسن لذاته عند المتأخرين. ينظر: المرجع السابق، 2/ 864 - 889.
-ابن شاهين (ت 385): وجد الباحث أنه يُطلق الحسن أحياناً مقيداً بالسند، كما يُطلقه مقيداً بالمتن، وأن الأحاديث التي حسّنها لإسنادها يدخل فيها الصحيح والحسن لذاته ورواية الضعيف. ينظر: المرجع السابق، 2/ 889 - 893.
-البيهقي (ت 458): وجد الباحث أن معنى الحسن عند البيهقي واسع، حيث أطلقه على الصحيح، وعلى الحديث الذي في سنده راو فيه بعض الضعف الذي لا ينزل به عن منزلة الوسطية (الحسن لذاته)، وعلى الحديث الذي فيه راو مستور، وعلى الحديث الحسن لغيره.
وقد استنتج الباحث أن البيهقي استعمل الحسن أكثر الأحيان بوصفه مرتبة وسطى بين الصحيح والضعيف. ينظر: المرجع السابق، 2/ 893 - 903.
-ابن عبدالبر (ت 463): وجد الباحث أنه استعمل الحسن استعمالات متعددة منها: أ) استعماله للحسن بمعنى الحكم على الحديث بالقبول، ويدخل في ذلك: إطلاقه الحسن على الحديث الصحيح، وعلى الحديث الحسن لذاته، وعلى الحديث الضعيف المحتمل في الفضائل لا في الأحكام.
ب) استعماله للحسن بمعنى حُسن المتن ولو كان السند ضعيفاً. ينظر: المرجع السابق، 2/ 903 - 927.
الصفحة 147
626