كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

واشتهر رجاله (¬1)، وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء." (¬2)
تعريف الميانشي (ت 581 هـ):
قال الميانشي رحمه الله: "وأما الحسن: فهو ما عُرف مخرجه، واشتهر رجاله بالرواية، فإنه يحسُن الاحتجاج به، وإن اختُلف في كمال حفظ رواته وعدالتهم." (¬3)
¬_________
(¬1) وقد وُجّه مقصوده بشهرة الرواة، أنها شهرة دون شهرة رواة الصحيح. ينظر: ابن دقيق العيد، الاقتراح، 7، ابن حجر، النكت، 1/ 404، السخاوي، فتح المغيث، 1/ 245.
(¬2) الخطابي، معالم السنن، 1/ 6.
اُختلف في قوله (وعليه مدار أكثر الحديث) وما بعده هل هو من تمام الحد؟ ، فإن الميانشي في تعريفه المشابه لتعريف الخطابي اقتصر على شقه الأول فقط، وابن كثير في اختصاره شكّ في كونه من تمام الحد بقوله: "وإن كان بقية الكلام من تمام الحد، فليس هذا الذي ذكره مُسلّماً له". وقد رجّح الزركشي خروجه عن الحد فقال: " قلت هذا إن جعلنا الحد عند قوله واشتهر رجاله وهو الظاهر فإن ما بعده أحكام لأن قبول الحديث والاحتجاج به فرع ثبوت حسنه ويدل له تكراره." وصرّح بذلك ابن حجر كما نقله عنه البقاعي حيث قال: "وقوله (وعليه مدار) إلى آخره، كلام كاشف، لا أنه داخل في الحد". وتبعه تلميذه السخاوي فقال: "فقد قال الخطابي متصلا بتعريفه السابق ; لكونه متعلقا به في الجملة، لا أنه تتمته: وعليه - أي: الحسن - مدار أكثر الحديث - أي: بالنظر لتعدد الطرق - فإن غالبها لا يبلغ رتبة الصحيح المتفق عليه". وقال السيوطي: "وهذا الكلام فهمه العراقي زائدا على الحد فأخر ذكره وفصله عنه. وقال البلقيني: بل هو من جملة الحد، ليخرج الصحيح الذي دخل فيما قبله، بل والضعيف أيضا.". وما نقله السيوطي عن البلقيني هو بمعناه أما لفظه فقوله: "لا يقال: إن تم التعريف عند قوله: (رجاله) فالصحيحُ والضعيف كذلك، وإن كان آخرُ الكلام من جملة التعريف (منع أن يكون الحسن كذلك؛ لأنا نقول: (آخر الكلام من جملة التعريف". المراجع: ينظر: ابن كثير، اختصار علوم الحديث، 36، الزركشي، النكت، 1/ 305، البلقيني، محاسن الاصطلاح، تحقيق: عبدالقادر مصطفى المحمدي، 102، ملاحظة: ما بين المعقوفتين غير موجود في طبعة دار المعارف تحقيق بنت الشاطئ. البقاعي، النكت، 1/ 220، السخاوي، فتح المغيث، 1/ 92، السيوطي، التدريب، 1/ 167.
(¬3) ملاحظة: سبق هذا التعريف ذكره لمراتب الصحيح، وجعل أدنى مرتبة فيه: ما كان إسناده حسناً. ينظر: الميانشي، ما لًا يسع المحدث، 27 - 28.
ويظهر مشابهة تعريفه لتعريف الخطابي، وقد اقتصر على الشق الأول منه. ثم عقّب بقوله: "فإنه يحسُن الاحتجاج به، وإن اختُلف في كمال حفظ رواته وعدالتهم". وفي هذا إشارة إلى وجود اختلاف بين نقاد الحديث في راوي الحديث الحسن من حيث الحفظ والعدالة، ففي الحفظ يقصر رواة الحسن عن الصحيح، وفي العدالة اختلفوا في اشتهارها أو سترها، ويُفهم من هذا التعقيب أن تفاوت رواة الحسن عن رواة الصحيح لا يقتصر على الضبط فقط بل قد يتفاوتون في العدالة، فمرتبة رواة الحسن لذاته تقصر من حيث الضبط والحفظ، بينما رواة الحسن لغيره، -والذي هو في أصله نوع من الضعيف- قد يكون سبب الضعف ناشئ عن الجهالة بعدالة الراوي، ولعل هذا يتضح أكثر أثناء تحرير قيود التعريف، وقد سبق في الفصل الأول الإشارة إلى مسألتي تفاوت العدالة وتفاوت الضبط عند رواة الحديث.

الصفحة 149