كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق
"فإن الحسن معناه الذي له حال بين حالي الصحيح والضعيف" (¬1)
وقال في موضع آخر من كتابه بشيء من التفصيل: "ونعني بالحسن، ما له من الحديث منزلة بين منزلتي الصحيح والضعيف، ويكون الحديث حسنا هكذا، إما بأن يكون أحد رواته مختلفا فيه؛ وثقه قوم وضعفه آخرون، ولا يكون ما ضعف به جرحا مفسراً، فإنه إن كان مفسراً، قدم على توثيق من وثقه، فصار به الحديث ضعيفا.
وإما بأن يكون أحد رواته؛ إما مستورا وإما مجهول الحال." (¬2)
¬_________
(¬1) ابن القطان، المرجع السابق، 3/ 374.
(¬2) ابن القطان، المرجع السابق، 4/ 13 - 20.
ثم قال: "ولنبين هذين القسمين، فأما المستور فهو من لم تثبت عدالته لدينا ممن روى عنه اثنان فأكثر، ... فهذا قسم المساتير؛ فأما قسم مجهولي الأحوال، فإنهم قوم أنما روى عن كل واحد منهم واحد، لا يعلم روى عنه غيره"
وقد أردف كل قسم بحكم روايته من حيث القبول والرد: فقال عن رواية المستور: "فإن هذا يختلف في قبول روايته من لا يرى رواية الراوي العدل عن الراوي تعديلا له.
فطائفة منهم يقبلون روايته، وهؤلاء هم الذين لا يبتغون على الإسلام مزيدا في حق الشاهد والراوي، بل يقنعون بمجرد الإسلام، مع السلامة عن فسق ظاهر، ويتحققون إسلامه برواية عدلين عنه، إذ لم يعهد أحد ممن يتدين يروي الدين إلا عن مسلم.
وطائفة يردون روايته، وهؤلاء هم الذين يبتغون وراء الإسلام مزيدا، وهو عدالة الشاهد أو الراوي، وهذا كله بناء على أن رواية الراوي عن الراوي ليست تعديلا له، فأما من رآها تعديلا له فإنه يكون بقبول روايته أحرى وأولى، ما لم يثبت جرحه.
والحق في هذا أنه لا تقبل روايته، ولو روى عنه جماعة، ما لم تثبت عدالته."
وقال عن رواية المجهول: " فهؤلاء إنما يقبل رواية أحدهم من يرى رواية الراوي العدل عن الراوي تعديلا له، كالعمل بروايته، فأما من لا يرى رواية الراوي عن الراوي تعديلا له، فإنهم لا يقبلون رواية هذا الصنف إلا أن تعلم عدالة أحدهم، فإنه إذا علمت عدالته، لم يضره أن لا يروي عنه إلا واحد، فأما إذا لم تعلم عدالته، وهو لم يرو عنه إلا واحد، فإنه لا يقبل روايته لا من يبتغي على الإسلام مزيدا، ولا من لا يبتغيه.
وقد عمل أبو محمد في هذا بالصواب: من رد روايتهم وقبول رواية من علمت عدالته منهم، وأخطأه ذلك في قوم منهم، صحح أيضا أحاديثهم بالسكوت عنها، تبين ذلك في هذا الباب إن شاء الله تعالى". ابن القطان، المرجع السابق، 4/ 13 - 20.
ويُفهم من كلامه رحمه الله أن الرواة المختلف فيهم يُحكم على حديثهم بالحُسن ما لم يكن الضعف المجروح به الراوي مُفسّراً، فإن كان الجرح مُفسّراً يُقدّم الجرح على التوثيق، ويُحكم على الحديث بالضعف.
قال الباحث محمد بوعيّاد عن منهج ابن القطان في الرواة المختلف فيهم أنه "يُحسّن أحاديثهم، لكن بالنسبة لمجهولي الحال والمساتير، فقد سبقت الإشارة إلى اضطراب رأي ابن القطان في هذا الباب، فتارة يُحسّن أحاديثهم وتارة يُضعفها". محمد بوعيّاد، تحسين الحديث النبوي الشريف، 149.
وذكر الدكتور الدريس -من تأمله لتعريف ابن القطان- أن الحسن عنده على قسمين:
1 - حسن يحتج به، وهو ما يرويه الراوي المختلف فيه.
2 - حسن لا يحتج به، وهو ما يرويه المستور والمجهول.
وتوصّل إلى استنتاج مهم وهو: أن ابن القطان يحرص بشدة على تمييز الحسن من الصحيح ينظر: الدريس، الحديث الحسن، 2/ 946، 2/ 974 - 975. بتصرّف يسير.
الصفحة 151
626