كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

تعريف ابن الصلاح (ت 643 هـ):
قال ابن الصلاح رحمه الله: " الحديث الحسن قسمان:
أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث، أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق، ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله، أو بما له من شاهد، وهو ورود حديث آخر بنحوه، فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا ومنكرا، وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل.
القسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين (¬1) بالصدق والأمانة، غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح، لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا (¬2)، ويعتبر في كل هذا - مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا ومنكرا - سلامته من أن يكون معللا.
وعلى القسم الثاني يتنزل كلام الخطابي." (¬3)

تعريفات من جاء بعد ابن الصلاح:
لقد قسّم ابن الصلاح الحديث الحسن إلى قسمين، وإن لم يميّز كل قسم باسم خاص، لكنه اشترط في أحدهما مجيئه من طرق أخرى، ولم يشترط في الآخر ذلك. (¬4)
¬_________
(¬1) وقال السليماني عن اشتراط الشهرة في رواة الحديث الحسن "ليس ذلك شرطاً في راوي الحديث الصحيح فضلاً عن راوي الحديث الحسن ... ". السليماني، الجواهر، 82.
ولعل مراد ابن الصلاح بالشهرة: ما يدل على مزيد ضبط راوي هذا القسم من الحسن-والذي يُطلق عليه ابن حجر الحسن لذاته مقارنة بالقسم الآخر من الحسن، وهو الحسن لغيره- كما جاء معنا في الفصل السابق، في قيد الشهرة بالطلب في بيان المراد باشتراط بعضهم الشهرة بالطلب في رواة الصحيح، وتوجيه ذلك بزياة ضبط المرويات والعناية بها.
(¬2) بما أن المنكر عند ابن الصلاح بمعنى الشاذ، وهو على نوعين: أحدهما مخالفة الراوي _ويدخل في ذلك الثقة والضعيف- لمن هو أولى منه، والآخر: تفرد الضعيف، فيكون قوله: "يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكراً" احتراز من الضعيف الذي تفرده يكون منكراً.
واشتراط ابن الصلاح -بعد ذلك- السلامة من الشذوذ والنكارة هو احتراز من النوع الثاني من الشاذ والمنكر، وهو الناتج عن المخالفة. ينظر: السليماني، المرجع السابق، بتصرّف.
(¬3) ابن الصلاح، علوم الحديث، 31 - 32.
(¬4) يقول الدكتور خالد الدريس: "أول من قسّم الحسن إلى قسمين الدريس، الحديث الحسن، 4/ 1643.
وابن القطان -وهو معاصر لابن الصلاح ومات قبله- قد قسّم الحسن إلى ثلاثة أقسام، الأول: رواية المختلف فيهم، والثاني: رواية المستور، والثالث: رواية مجهول الحال. ينظر: ابن القطان، بيان الوهم، 4/ 13 - 20.

الصفحة 153