كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق
ودارت أغلب تعريفات من جاء بعده حول اختصار أو تعقّب أو دمج ما جاء في تعريفه،
فممن اختصر تعريفه النووي (ت 676 هـ) (¬1)، وابن كثير (ت 774 هـ) إلا أنه تعقّب ابن الصلاح في إيراده تعريف الترمذي للحسن، واستنكر وجوده في كتب الترمذي، ولعل ذلك سهوٌ منه رحمه الله (¬2).
وقد أشار ابن دقيق العيد (ت 702 هـ) (¬3) -وتبعه في ذلك تلميذه الذهبي (ت 748 هـ) (¬4) - إلى الاضطراب الحاصل في تحرير معنى الحديث الحسن، مما دعا الذهبي -أثناء مناقشته للتعريفات- إلى أن يصوغ ثلاثة تعريفات (¬5) ذكرها مبثوثةً أثناء مناقشاته
لتعريفات من سبقه، كان أولها أنه قال: "الحسن ما ارتقى عن درجة الضعيف، ولم يبلغ
¬_________
(¬1) النووي، التقريب، 29.
(¬2) ينظر: ابن كثير، الاختصار، 36 - 37، وقد ردّ العراقي على ابن كثير هذا الإنكار، فقال: "وهذا الانكار عجيب، فإنه في آخر العلل التي في آخر الجامع ... " ينظر: العراقي، التقييد والإيضاح، 45، وكذلك تعليق أحمد شاكر في هامش الباعث الحثيث، 38 - 39.
(¬3) ينظر: ابن دقيق العيد، الاقتراح، 7. واستشكل رحمه الله وضع حدّ يميّز الحسن عن الصحيح، وفي ذات الوقت يجعله مما يُحتجّ به، فإن الاحتجاج يُدرج الحسن ضمن الصحيح، بحيث يكون الصحيح له مراتب أدناها يُسمّى بالحسن.
(¬4) ينظر: الذهبي، الموقظة، 26 - 28.
(¬5) لعل ذكره لثلاثة من التعاريف لمصطلح الحسن يوضحه ما ذكره بعد ذلك بقوله: "ثم لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فأنا على إياس من ذلك! فكم من حديث تردد فيه الحفاظ: هل هو حسن؟ أو ضعيف؟ أو صحيح؟ بل الحافظ الواحد يتغير اجتهاده في الحديث الواحد: فيوما يصفه بالصحة، ويوما يصفه بالحسن، ولربما استضعفه!
وهذا حق، فإن الحديث الحسن يستضعفه الحافظ عن أن يرقيه إلى رتبة الصحيح. فبهذا الاعتبار فيه ضعف ما، إذ الحسن لا ينفك عن ضعف ما. ولو انفك عن ذلك، لصح باتفاق. الذهبي، الموقظة، 28 - 29.
الصفحة 154
626