كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق
و"لذا كان أئمة الجرح والتعديل ينبهون كثيراً على قلة حديث الراوي أو كثرته؛ ليعرف محله في الاعتناء بهذا العلم من عدمه، وليعتبر ذلك في تمحيص رواياته." (¬1)
فاسم الستر عام يشمل مطلق المستور -من عُرفت عينه ولم يوثق- وأهل الفضل والنبل والعفة، ومن عُرفت عدالته الظاهرة وجُهلت عدالته الباطنة، ومن اُختلف فيه ولم يترجّح أمره فتوقّف فيه. ومن ارتفعت عنه الجهالة ولم يُجرّح، قال الذهبي:
"وقد اشتهر عند طوائف من المتأخرين (¬2) إطلاق اسم (الثقة) على: من لم يجرح، مع ارتفاع الجهالة عنه. وهذا يسمى: (مستورا)، ويسمى: (محله الصدق)، ويقال فيه: (شيخ) ". (¬3)
ولعل شمول معنى الستر هو الذي دعا الزركشي لوصف راوي الحسن بشكل عام بالمستور، حيث قال: "ولهذا فرّق المحدثون بين الصحيح والحسن والضعيف، فالصحيح رواية العدل، والحسن رواية المستور، والضعيف رواية المجروح" (¬4) فبالرغم من تقسيم المتأخرين الحسن لقسمين-قسم لرواية المشهور بالصدق، وقسم لرواية المستور- إلا أنه لم يُشر لذلك، بل اكتفى بالتعبير عن الحديث الحسن برواية المستور؛ لشمولها درجات رواة الحسن لذاته ولغيره، وذلك حسب السياق والقرينة التي تقترن بهذا الوصف. (¬5)
¬_________
(¬1) الجديع، التحرير، 2/ 781.
(¬2) "الحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر هو رأس سنة ثلثمائة." الذهبي، الميزان، 1/ 4.
(¬3) الذهبي، الموقظة، 78.
(¬4) الزركشي، النكت، 3/ 379.
(¬5) خلص الدكتور عبدالجواد حمام إلى أن المحدثين استخدموا مصطلح (مستور) على ثلاثة معانٍ:
1 - لغرض التوثيق والمدح، 2 - من كان عدل الظاهر مجهول عدالة الباطن، 3 - من روى عنه أكثر من واحد ولم يُوثّق. ثم أشار إلى حكم رواية المستور حسب كل معنى:
فعلى المعنى الأول: فهذا الوصف يفيد صلاحية حديث الراوي للقبول، وإن لم يكن بتلك المرتبة من التوثيق والتعديل.
وعلى المعنى الثالث: فحكمه حكم مجهول الحال، والجمهور على ردّه، واختار ابن حجر وغيره التوقّف فيه.
وأطال في بيان الحكم على المعنى الثاني، وتوصّل إلى أن كثيراً من محققي المحدثين على قبول حديث المستور؛ لوجود مرجّح لكفّة العدالة على كفّة الجرح، وهو العلم بسلامة الظاهر، ولا ينبغي العدول عن هذا الظن الغالب إلا بدليل؛ إلا أن حديث المستور لا يُعامل معاملة الراوي الثقة المعروف، ولا يُعارض بحديثه الأحاديث الصحيحة نظيفة الإسناد مشهورة الرجال. ينظر: حمام، الجهالة، 2/ 838 - 848 باختصار.، وينظر في حكم رواية المستور كذلك: ابن الصلاح، علوم الحديث، 111 - 112، النووي، شرح مسلم، 1/ 28، العراقي، التقييد، 145، ابن حجر، النزهة، 126، السخاوي، فتح المغيث، 2/ 57، السيوطي، التدريب، 1/ 371 - 372.
الصفحة 180
626