كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق
يتابع عليه، عن أيوب (¬1)، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فينظر: هل روى ذلك ثقة غير أيوب عن ابن سيرين؟ فإن وجد علم أن للخبر أصلا يرجع إليه، وإن لم يوجد ذلك فثقة غير ابن سيرين رواه عن أبي هريرة، وإلا فصحابي غير أبي هريرة رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأي ذلك وجد يعلم به أن للحديث أصلا يرجع إليه، وإلا فلا.
قلت: فمثال المتابعة أن يروي ذلك الحديث بعينه عن أيوب غير حماد، فهذه المتابعة التامة، فإن لم يروه أحد غيره عن أيوب لكن رواه بعضهم عن ابن سيرين أو عن أبي
هريرة، أو رواه غير أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذلك قد يطلق عليه اسم المتابعة أيضا، لكن تقصر عن المتابعة الأولى بحسب بعدها منها، ويجوز أن يسمى ذلك بالشاهد أيضا.
فإن لم يُرو ذلك الحديثُ أصلا من وجه من الوجوه المذكورة، لكن رُوِي حديث آخر بمعناه فذلك الشاهد من غير متابعة." (¬2)
¬_________
(¬1) أيوب بن أبى تميمة، مات سنة 131 هـ. ينظر: الذهبي، الكاشف، 1/ 260 - 261 (511)، ابن حجر، التقريب، 117 (605).
(¬2) ابن الصلاح، علوم الحديث، 83 - 84، وهذا المثال نقله ابن الصلاح من مقدمة ابن حبان لصحيحه، وقام بتوضيحه. ينظر: ابن حبان، صحيح ابن حبان، 1/ 155.
وقد ذكر ابن حجر مثالاً اجتمع فيه المتابعة التامة والناقصة، والشاهد باللفظ والشاهد بالمعنى فقال: "ما رواه الشافعي في "الأم" عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رضي الله عنهم - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الشهر تسع وعشرون فلا تصموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثي)) - كتاب الصيام الصغير 3/ 231 - 232 - فإن الحديث المذكور في جميع الموطآت عن مالك بهذا الإسناد بلفظ، "فإن غم عليكم فاقدروا له".
فأشار البيهقي إلى أن الشافعي تفرد بهذا اللفظ عن مالك فنظرنا فإذا البخاري قد روى الحديث في صحيحه- كتاب الصوم 3/ 27 ح (1906) - فقال: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، حدثنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر - رضي الله عنهم - فساقه باللفظ الذي ذكره الشافعي سواء فهذه متابعة تامة في غاية الصحة. لرواية الشافعي - رضي الله عنه - والعجب كيف خفيت عليه؟ ، ودل هذا على أن مالكا رواه عن عبد الله بن دينار باللفظين معا.
وقد توبع عليه عبد الله بن دينار من وجهين عن ابن عمر - رضي الله عنهم -:
أحدهما: أخرجه مسلم من طريق أبي أسامة، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - فذكر الحديث وفي آخره: ((فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين)). كتاب الصيام، باب وجوب صيام رمضان 2/ 759 ح (1080).
والثاني: أخرجه ابن خزيمة في صحيحه -كتاب الصيام 3/ 202 ح (1909) - من طريق عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر - رضي الله عنهم - بلفظ: ((فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين)).
فهذه متابعة - أيضا - لكنها ناقصة.
وأما شاهده فله شاهدان: شاهد لحديث الشافعي: أحدهما: من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - رواه البخاري عن آدم عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ولفظه: ((فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)).
وثانيهما: من حديث ابن عباس - رضي الله عنهم - أخرجه النسائي -في سننه كتاب الصيام 4/ 135 ح (2125) - من رواية عمرو بن دينار عن محمد بن حنين عن ابن عباس - رضي الله عنهم - بلفظ حديث ابن دينار عن ابن عمر - رضي الله عنهم -.
فهذا مثال صحيح بطرق صحيحة للمتابعة التامة، والمتابعة الناقصة. والشاهد باللفظ والشاهد بالمعنى والله الموفق سبحانه". ابن حجر، النكت، 2/ 682 - 685، ينظر كذلك: ابن حجر، النزهة، 88 - 90، السخاوي، فتح المغيث، 1/ 259 - 260، السيوطي، التدريب، 1/ 284 - 285.
الصفحة 186
626