كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

2 - ما لا توجد له متابعات وشواهد، ولكن السند قوي لذاته لا يحتاج لعاضد." (¬1)
وتوصّل كذلك إلى أن اشتراط تعدد الطرق - (يُروى من غير وجه) في الحديث الحسن عند الترمذي-: شرط أغلبي لا كُلّي، واستدل على ذلك بتحسين الترمذي لأحاديث لا يوجد فيها أي مغمز سوى رواة من أهل الصدق قد خفّ ضبطهم ... ، ومن ذلك مثلاً: أحاديث لبهز بن حكيم، وأحاديث لعمرو بن شعيب ... إلخ. (¬2)
والحديث الحسن الذي لا يحتاج للمعاضدة هو ما أُطلِق عليه الحسن لذاته (¬3)؛ وما يحتاج للمعاضدة هو الحسن لغيره؛ لذا حين قسَّم ابن الصلاح الحديث الحسن إلى قسمين نجده:
وافق الترمذي في اشتراط مجيء الحديث من وجه آخر- وذلك في أحد قسميّ الحسن، - حيث جعله قيداً لرواية المستور الذي لم تتحقق أهليته.
ولم يشترطه في القسم الآخر الذي هو من رواية المشهور بالصدق، وتبعه في ذلك ابن جماعة، وابن سيد الناس (¬4)، إلا أن الطّيّبي حين تعقّب من سبقه وعرّف الحسن اشترط المعاضدة للقسمين (¬5).
¬_________
(¬1) ثم قال: "ويخلص إلى حمل الأمر على فهم الترمذي واجتهاده؛ لأن الأصل أنه لا يُخالِف ما اشترطه في تعريفه الذي حكاه بنفسه عن عمله في كتابه" ينظر: الدريس، الحديث الحسن، 3/ 1063 - 1064 باختصار.
(¬2) ينظر: الدريس، المرجع السابق، 4/ 1643 - 1645 باختصار.
(¬3) أطلقه ابن حجر، وذلك حين أردف تعريف الصحيح لذاته بالحسن لذاته بفارق خفة ضبط راوي الحسن. ينظر: ابن حجر، النزهة، 78.
ويرى الدكتور الدريس: أن تعريف ابن القطان يقرّبه من الحسن لذاته، ولا يدخل فيه حديث الضعيف المعتضد بمثله؛ لأن ابن القطان لا يحتجّ بمثله فضلاً عن أن يسميه حسناً. ينظر: الدريس، المرجع السابق، 4/ 1670.
(¬4) محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، اليعمري الربعي، أبو الفتح، فتح الدين, المعروف بابن سيّد الناس. مؤرخ، عالم بالأدب. من حفاظ الحديث، من مصنفاته: (عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير) و (النفح الشذي في شرح جامع الترمذي) لم يكمله. مات سنة 734 هـ. ينظر: الصفدي, الوافي بالوفيات,1/ 219 (200)، ابن العماد, الشذرات, 8/ 189. الزركلي, الأعلام, 7/ 34.
(¬5) "مُسند من قَرُب من درجة الثقة أو مُرسَل ثقة، ورُوِي كلاهما من غير وجه، وسَلِم عن شذوذ وعلة". الطيبي، الخلاصة، 45.
بل إن الفرد عنده يأتي على أنواع، فرد مطلق ليس له معاضد لا في سنده ولا في متنه، وفرد حسن وهو ما كان فرد الإسناد ورُوي معناه بإسناد آخر حيث قال: "إن قولنا يروى من غير وجه يحتمل وجوها؛ أن يروى الحديث بعينه بإسناد آخر، وأن يروى معناه بإسناد آخر، أو بهذا الإسناد بلفظ آخر، ولا يبعد تسمية القسم الأخير بالفرد الحسن، فهو بالنظر إلى أفراد الإسناد، فرد وبالنظر إلى تغيير اللفظ، حسن، إذ بهذا الاعتبار يغلب ظنا احتمال طريق آخر يتقوى به، بخلاف الفرد المطلق."
ثم ذكر وجهاً آخر للمعاضدة فقال: "وجه آخر، وهو أن يكون الحديث مشهورا عن صحابي، فيرويه تابعي عن صحابي آخر، ويكون له في الطريق رواة أفراد في جميع المراتب، فظهر من هذا أن الغرض من التقييد بقوله، ويروى من غير وجه واحد، اعتضاد الحديث المروي بما ينجبر به ضعفه، وإزالة ما به من الوهم السابق والإرسال والانقطاع وغيرهما، فلا يؤتى بالرواية من غير وجه، إلا على وجه يرفع به ذلك الضعف وإلا كان عبثا." الطيبي، المرجع السابق 41 - 42.
ويفهم مما قاله أن الحديث لا يُطلق عليه حسناً إلا إذا رُوي من وجه آخر، وعلل ذلك بكون الحسن من الحديث استحق ذلك الوصف لانجبار ضعفه بالمعاضد، والله أعلم.

الصفحة 193