كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق
وقد أوضح ابن حجر ذلك بذكر أمثلة للرواة التي تنجبر روايتهم، وترتقي للحسن بمجيئها من طريق آخر مثلها أو نحوها، فقال في كتابه النزهة:
"ومتى توبع السيِّئ الحفظ (¬1) بمُعتبر: كأن يكون فوقه، أو مثله، لا دونه، وكذا المختِلط الذي لم يتميز (¬2)، والمستور،
والإسناد المرسل (¬3)، وكذا المدلَّس إذا لم يُعرف المحذوف منه (¬4) صار حديثهم حسنا، لا لذاته، بل وصفه بذلك باعتبار المجموع، من المتابِع والمتابَع؛ لأن كل واحدٍ منهم
¬_________
(¬1) استشهد ابن حجر لما ذكره بأمثلة لما حسّنه الترمذي في كتابه، فقال:
من أمثلة ما وصفه الترمذي بالحسن وهو من رواية الضعيف السيئ الحفظ:
1 - ما أخرجه في سننه كتاب النكاح، باب ما جاء في مهور النساء، من طريق شعبة عن عاصم ابن عبيدالله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: "إن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ )). قال الترمذي: هذا حديث حسن. 2/ 411 ح (1113).
وفي الباب عن عمر وأبي هريرة وعائشة - رضي الله عنهم -، وذكر جماعة غيرهم. وعاصم بن عبيدالله ضعفه الجمهور ووصفوه بسوء الحفظ وعاب ابن عيينة على شعبة الرواية عنه، وقد حسن الترمذي حديثه هذا لمجيئه من غير وجه كما شرط، والله أعلم.
2 - ومن أمثلة ما وصفه الترمذي بالحسن وهو من رواية الضعيف الموصوف بالغلط والخطأ: ما أخرجه في سننه كتاب البيوع، باب ما جاء في النهي للملم أن يدفع إلى الذمي الخمر ليبيعها، من طريق عيسى بن يونس عن مجالد عن أبي الوداك, عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كان عندنا خمر ليتيم, فلمّا نزلت المائدة, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أهريقوه)). قال: هذا حديث حسن. 2/ 544 ح (1263).
قلت: ومجالد ضعفه جماعة ووصفوه بالغلط والخطأ، وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس، وغيره - رضي الله عنهم -
وذكر ابن حجر غيرها من الأمثلة لأحاديث حسّنها الترمذي لرواة ضُعّفوا لسوء حفظهم وكثرة غلطهم، جاء ما يعضدها من المتابعات والشواهد. ينظر: ابن حجر، النكت، 1/ 388 - 392 بتصرف.
(¬2) من أمثلة ما وصفه الترمذي بالحسن وهو من رواية من سمع من مختلط بعد اختلاطه:
- ما أخرجه في سننه كتاب الصلاة، باب ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسيا، من طريق يزيد ابن هارون عن المسعودي عن زياد بن علاقة قال: "صلى بنا المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - فلما صلى ركعتين قام فلم يجلس فسبح به من خلفه، فأشار إليهم أن قوموا، فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتي السهو وسلم". وقال: "هكذا صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". قال الترمذي: هذا حديث حسن. 1/ 474 ح (365).
قلت: "والمسعودي اسمه: عبدالرحمن وهو ممن وصف بالاختلاط وكان سماع يزيد منه بعد أن اختلط. وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من أوجه أخر بعضها عند المصنف أيضا والله أعلم. ينظر: ابن حجر، المرجع السابق، 1/ 393.
(¬3) من أمثلة ما وصفه بالحسن وهو منقطع الإسناد:
- ما أخرجه في سننه كتاب المناقب، باب مناقب أبي الفضل عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو العباس بن عبدالمطلب - رضي الله عنه -، من طريق عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر في العباس - رضي الله عنه -: ((إن عم الرجل صنو أبيه)). وكان عمر - رضي الله عنه - تكلم في صدقته. وقال: هذا حديث حسن.6/ 112 ح (3760).
قلت: "أبو البختري: اسمه سعيد بن فيروز ولم يسمع من علي - رضي الله عنه - ".
فالإسناد منقطع ووصفه بالحسن؛ لأن له شواهد مشهورة من حديث أبي هريرة وغيره، وأمثلة ذلك عنده كثيرة. ينظر: ابن حجر، المرجع السابق، 1/ 396.
(¬4) من أمثلة ما وصفه الترمذي بالحسن وهو من رواية مدلس قد عنعن:
- ما أخرجه في سننه كتاب الجنائز، باب ما جاء في أن المؤمن يموت بعرق الجبين، من طريق يحيى ابن سعيد عن المثنى بن سعيد عن قتادة عن عبدالله بن بريدة عن أبيه - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤمن يموت بعرق الجبين". قال: "هذا حديث حسن". 2/ 301 ح (982).
وقد قال بعض أهل العلم: "لم يسمع قتادة من عبد الله بن بريدة - رضي الله عنه - قلت: وهو عصريه وبلديه كلاهما من أهل البصرة ولو صح أنه سمع منه فقتادة مدلس معروف بالتدليس، وقد روى هذا بصيغة العنعنة، وإنما وصفه بالحسن؛ لأن له شواهد من حديث عبدالله بن مسعود وغيره - رضي الله عنهم -
- ومن ذلك ما أخرجه الترمذي في سننه كتاب الجمعة، باب في السواك والطيب يوم الجمعة، من طريق هشيم عن يزيد عن أبي زياد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن حقا على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة وليمس أحدهم من طيب أهله فإن لم يجد فالماء له طيب". قال: "هذا حديث حسن".1/ 662 ح (528).
قلت: "وهشيم موصوف بالتدليس، لكن تابعه عنده أبو يحيى التيمي".
وللمتن شواهد من حديث أبي سعيد الخدري وغيره - رضي الله عنهم - ابن حجر، المرجع السابق، 1/ 394 - 395 بتصرف يسير.
الصفحة 196
626