كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

فلقد نصّ الشافعي على شرط الاتصال صراحةً بقوله: "حتى ينتهى بالحديث موصولا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى من انتهي به إليه دونه"، (¬1) وكذلك الحميدي نصّ على الاتصال بقوله: "متصلاً غير مقطوع (¬2) "، بل نجده يتحرّى ذلك في مسنده. (¬3)
أما مسلم فلم ينصّ على شرط الاتصال صراحة لكن كلامه في مقدمة صحيحه يتضمنه حين صحح الحديث المعنعن (¬4) وحمله على السماع بقوله: "كل رجل ثقة روى عن مثله
¬_________
(¬1) ونجده يُشدد في قبول الحديث المرسل -والذي هو نوع من انقطاع السند- ويضع لذلك شروطاً لكل من الراوي المُرسِل وللرواية المرسلة وذلك في كتابه الرسالة، ينظر: الشافعي، الرسالة، 461 - 464، وتتكرر عباراته وتتنوع -في تقديم الرواية المتصلة على المنقطعة، وعدم احتجاجه بالمنقطع إلا بشروط- في مناقشته للمسائل والأحكام في كتابه الأم، وكذلك إثباته سماع الراوي ممن هو فوقه في الإسناد، أو عدم سماعه. ينظر: الشافعي، الأم، 2/ 123، 4/ 183، 5/ 408، 7/ 322، 9/ 199.
(¬2) أخرج الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية عن الحميدي قوله: "فإن قال قائل: "فما الحجة في ترك الحديث المقطوع, والذي يكون في إسناده رجل ساقط وأكثر من ذلك, ولم يزل الناس يحدثون بالمقطوع, وما كان في إسناده رجل ساقط وأكثر ... " ويتضح من كلام الحميدي أنه يريد بالمقطوع المنقطع. قال ابن الصلاح: "المقطوع: ما جاء عن التابعين موقوفا عليهم من أقوالهم أو أفعالهم، ... وقد وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام الإمام الشافعي، وأبي القاسم الطبراني وغيرهما، والله أعلم". وقد ذكر ذلك السيوطي في كتابه تدريب الراوي حيث قال: "المقطوع، وجمعه المقاطع، والمقاطيع، وهو الموقوف على التابعي قولا له، أو فعلا، واستعمله الشافعي، ثم الطبراني في المنقطع الذي لم يتصل إسناده، وكذا في كلام أبي بكر الحميدي، والدارقطني. إلا أن الشافعي استعمل ذلك قبل استقرار الاصطلاح" والذي استقرّ عليه المتأخرون أن المنقطع غير المقطوع. المراجع ينظر: الخطيب البغدادي، الكفاية، 390، ابن الصلاح، علوم الحديث، 47، السخاوي، فتح المغيث، 1/ 140، السيوطي، التدريب، 1/ 101.
(¬3) فمن أمثلة تحرّيه اتصال السند ما أخرجه في مسنده من طريق شيخه سفيان بن عيينة، وأشار إلى أنه بداية لم يصرّح بسماعه من الزهري، فأوقف الرواية عليه، ثم صرّح بالسماع فرواها عنه مسندة، فقال: "ثنا سفيان قال سمعت الزهري يحدث عن عروة، عن عائشة قالت: «طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي هاتين لحرمه حين أحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت» قال أبو بكر: وهذا مما لم يكن يحدث به سفيان قديما عن الزهري فوقفناه عليه، فقال: قد سمعته من الزهري." الحميدي، المسند، 1/ 262 ح (213). وصرّح في حديث آخر بأن شيخه سفيان لم يسمعه من الزهري فقال: "ثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... قال أبو بكر: ولم يسمعه سفيان من الزهري." المرجع السابق، 1/ 281 ح (247).
(¬4) تطرّق ابن حجر- في مقدمة كتابه فتح الباري- إلى ما يتعلّق بخصوص شرط الاتصال عند مسلم في صحيحه، والفرق بينه وبين شرط البخاري فيه، فقال: "ما يتعلق بالاتصال ... وذلك أن مسلما كان مذهبه ... أن الإسناد المعنعن له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعن ومن عنعن عنه، وإن لم يثبت اجتماعهما إلا إن كان المُعنعِن مُدلِّسا، والبخاري لا يحمل ذلك على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة ... ، وهذا مما ترجح به كتابه لأنا وإن سلَّمنا ما ذكره مسلم من الحكم بالاتصال، فلا يخفى أن شرط البخاري أوضح في الاتصال، والله أعلم".
وقال أيضاً في كتابه النكت: "وأما أول من صنف الصحيح المعتبر عند أئمة الحديث.
وقد اختلفت مذاهب العلماء في الحديث المعنعن، وممن حقق المسألة وأطال فيها ابن رجب في شرحه لعلل الترمذي، وإنما أشرت إلى مسألة الحديث المعنعن عند مسلم لبيان شرطه للاتصال في صحيحه. المراجع: ابن حجر، هدي الساري، 12، ابن حجر، النكت، 1/ 279، ابن الصلاح، علوم الحديث، 61. الحاكم، علوم الحديث، 34. ابن رجب، علل الترمذي، 2/ 595 - 599.

الصفحة 58