كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

أمّا من جاء بعد ابن الصلاح، فقد صرّحت أغلب تعريفاتهم باشتراط الاتصال في السند، بينما تضمّن بعضها ذلك باشتراط السلامة من القدح أو الطعن بشكل عام، فإن كان الانقطاع في السند قادحاً فقد تضمن شرطهم نفيه. (¬1)
نخلص مما سبق:
أن الأغلب سواء قبل ابن الصلاح أو بعده قد اشترطوا اتصال السند في الحديث الصحيح إما نصاّ أو ضمناً، مع إشارة الحاكم إلى اختلاف بعضهم في تصحيح بعض المراسيل أو روايات الثقات من المدلسين. (¬2)
فاشتراط اتصال السند في حدّ تعريف الحديث الصحيح إنما هو في الصحيح المتّفق عليه كما أشار أكثر من واحد من علماء هذا الفن، ويوضح ذلك ما ذكره ابن حجر حين المفاضلة بين موطأ مالك، وصحيح البخاري، حيث قال:
"ذلك محمول على أصل اشتراط الصحة، فمالك لا يرى الانقطاع في الإسناد قادحا؛ فلذلك يخرج المراسيل والمنقطعات (¬3) والبلاغات (¬4) في أصل موضوع كتابه، والبخاري يرى أن الانقطاع علة فلا يخرج ما هذا سبيله إلا في غير أصل موضوع
¬_________
(¬1) كتعريف الجعبري للصحيح، وتعريف ابن الملقّن في التذكرة بينما صرّح في كتابه المقنع باشتراطه، وقد اختصر عبدالحق الدهلوي تعريف ابن حجر للصحيح إلا أنه أغفل ذكر هذا القيد! ، ولعله سقط سهواً. المراجع: ينظر: الجعبري، الرسوم، 54، ابن الملقن، المقنع، 1/ 41، ابن الملقن، التذكرة، 14، الدهلوي، أصول الحديث، 58.
(¬2) ويلحق بشرط الاتصال ما اشترطه بعضهم من الشروط الزائدة على حدّ الصحيح عند ابن الصلاح، وهو شرط نفي التدليس، وسيأتي معنا تفصيل ذلك بإذن الله.
(¬3) اُختلِف في تعريف المنقطع، حيث يشمل عند المتقدمين لكل أنواع السقط في الإسناد سواء من أوله أو وسطه أو آخره. أشار إلى ذلك ابن الصلاح في مقدمته، بينما خصّ المتأخرون تعريف المنقطع بأنه: ما سقط في أثناء سنده واحد فأكثر بشرط عدم التوالي. المراجع، ينظر: ابن الصلاح، علوم الحديث، 57 - 59، ابن حجر، النزهة، 102، السخاوي، فتح المغيث، 1/ 195 - 197، السيوطي، التدريب، 1/ 235 - 236.
(¬4) "البلاغات: الأسانيد التي ورد فيها: (بلغني عن فلان). مثل بلاغات مالك وغيره." الخيرآبادي، معجم مصطلحات الحديث، 31.

الصفحة 63