كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

قال الحازمي (¬1): "قد أجمع أهل العلم على أنه لا يُقبل إلا خبر العدل، وكل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، وإمعان النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن عدالة الصحابي ثابتة معلومة بتعديل الله تعالى لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وإخباره عن طهارتهم، وصفات العدالة هي اتباع أوامر الله تعالى والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه، وتجنّب الفواحش
المسقطة، وتحرّي الحق والتوقّي في اللفظ مما يلثم الدين والمروءة، وليس يكفيه في ذلك اجتناب الكبائر حتى يجتنب الإصرار على الصغائر." (¬2)
وبالنظر إلى تعريفات الحديث الصحيح نجدها قد تضمنت اشتراط العدالة في الرواة كشرط للصحيح إمّا بالنصّ على لفظ العدل أو ما يقوم مقامه من صفات كالثقة (¬3) والاستقامة، وحرصوا على خلوِّ مروياتهم من الرواة المجروحين في عدالتهم، قال الإمام مسلم في مقدمته: "فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون، أو عند الأكثر منهم، فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم ... " (¬4)
¬_________
(¬1) محمد بن موسى بن عثمان بن حازم, الحافظ أبو بكر الحازمي الهمداني الشافعي. محدث مؤرخ فقيه, ومن أحفظ الناس للحديث وأسانيده. له: (الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ). مات سنة 584. ينظر: ابن قاضي شهبة, طبقات الشافعية, 2/ 46. كحالة, المؤلفين, 3/ 742 (16201).
(¬2) الحازمي، شروط الأئمة الخمسة، 55.
(¬3) استدرك الزركشي وتبعه السيوطي على ابن الصلاح إسهابه في تعريف الصحيح برواية العدل الضابط، فقال الزركشي: "ولو قال بنقل الثقة عن الثقة لاستغنى عما ذكر؛ لأن ذلك معنى الثقة" ونقل السيوطي هذا الاستدراك بقوله: "قيل: كان الأفضل أن يقول بنقل الثقة؛ لأنه من جمع العدالة والضبط، والتعاريف تصان عن الإسهاب". إلا أن للذهبي رأياً آخر معتبراً بخصوص لفظ الثقة حيث قال: "وقد اشتَهَر عند طوائف من المتأخرين إطلاق اسم (الثقة) على: من لم يُجرَح، مع ارتفاع الجهالة عنه. وهذا يُسمَّى: (مستوراً)، ويُسمىَّ: (محلهُّ الصدق)، ويقال فيه: (شيخ) ". لذا قد يكون الجمع بين لفظ العدالة وبيان درجة ضبطه وإتقانه في حدّ الصحيح أكثر دقة ووضوح لصفات الراوي، وأبعد عن الإشكال من الاقتصار على لفظ الثقة، والله أعلم. المراجع: الزركشي، النكت، 1/ 100، السيوطي، التدريب، 61، الذهبي، الموقظة، 78.
(¬4) مسلم، الصحيح، 1/ 7. يقول ابن حجر في مقدمته لفتح الباري: "ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما هذا إذا خرج له في الأصول، فإما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم ... " ابن حجر، هدي الساري، 384.

الصفحة 66