كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

الراوي للثقات في ترك الاحتجاج بخبره، ومتى يُحتمل تفرّد الراوي؟ ومتى لا يُحتمل منه ذلك؟ . (¬1)
أما الشذوذ عند الحاكم فهو في الغالب إذا أطلقه على الحديث أُريد به التفرّد الذي يُستغرب ويُستنكَر لغموضٍ في علته، وكان شذوذاً مردوداً، وإن قُرن وصف الشذوذ بالصحة أُريد
¬_________
= "وكان يخطئ، لم يفحش خطؤه فيستحق الترك، وإنما كان ذلك منه على حسب ما لا ينفك منه البشر، ... بل يحتج بخبر من يخطئ ما لم يفحش ذلك منه، فإذا فحش حتى غلب على صوابه ترك حينئذ.
ومتى ما علم الخطأ بعينه وأنه خالف فيه الثقات ترك ذلك الحديث بعينه واحتج بما سواه هذا حكم المحدثين الذين كانوا يخطؤن ولم يفحش ذلك منهم" ابن حبان، الثقات، 7/ 491 - 492 باختصار.
- وقال - في كتابه المجروحين-: "والذي عندي في سويد بن عبدالعزيز تنكب ما خالف الثقات من حديثه والاعتبار بما روى مما لم يخالف الأثبات والاحتجاج بما وافق الثقات وهو ممن أستخير الله عز وجل فيه لأنه يقرب من الثقات." 1/ 351.
وقال كذلك في ترجمة عبدالله بن عبدالله بن أويس بن أبي عامر الأصبحي: "كان ممن يخطئ كثيراً لم يفحش خطؤه حتى استحق الترك، ولا هو ممن سلك سَنَن الثقات فيسلك مسلكهم.
والذي أرى في أمره تنكب ما خالف الثقات من أخباره والاحتجاج بما وافق الأثبات منها. وكان يحيى ابن معين يوثقه مرة ويضعفه أخرى." ابن حبان، المجروحين، 2/ 24.
(¬1) من أمثلة ذلك: ما فصّله في ترجمة يحيى بن عبد الله بن الضحاك البَابلُتِّيُّ في كتابه المجروحين، حيث قال: "فهو عندي فيما انفرد به ساقط الاحتجاج وفيما لم يخالف الثقات معتبر به، وفيما وافق الثقات محتج به، ولا يَتوهمن مُتوهِّم أن ما لم يخالف الأثبات هو ما وافق الثقات؛ لأن ما لم يُخالف الأثبات هو ما رَوَى من الروايات التي لها أصول من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن أتى بزيادة اسم في الإسناد أو إسقاط مثله مما هو محتمل في الإسناد.
وأما ما وافق الثقات فهو ما يروي عن شيخ سَمِع منه جماعة من الثقات، وأتى بالشيء على حسب ما أَتوْا به عن شيخه، وما انفرد من الروايات هو زيادة ألفاظ يرويها عن الثقات، أو إتيان أصل بطريق صحيح، فهذا غير مقبول منه، لما ذكرنا من سوء حفظه وكثرة خطئه، وأنه ليس بالمحل الذي تُقبل مفاريده، وإنما تقبل المفاريد إذا كان رواتها عدولٌ عاقلون، يعقلون ما يحدثون عالمون بما يحيلون من معاني الأخبار وألفاظها، فأما الثقة الصدوق إذا لم يكن يعلم ما يحيل من معاني الأخبار، وحدث من حفظه ثم انفرد بألفاظ عن الثقات لم يستحق قبولها منه؛ لأنه ليس يعقل ذلك، ولعله أحاله متوهما أنه جائز، فمن أجل ما ذكرنا لم تقبل الزيادة في الأخبار إلا عمن سمينا من العدول على الشرط الذي وضعنا." ملاحظة: علماً أنني اعتمدت في نقل هذا النص على طبعة دار الصميعي، وذلك لأن المعنى لم يستقم عندي وشككت بوجود سقط وتحريف في النصّ في طبعة حلب 3/ 127 - 128، وبالفعل وجدته كذلك، فاستدركته من الطبعة الأخرى. ينظر: ابن حبان، كتاب المجروحين من المحدثين، تحقيق: حمدي عبدالمجيد السلفي، 2/ 479 - 480 (1220).

الصفحة 83