كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

علة، فيخفى عليهم علمه، فيصير الحديث معلولاً، والحجة فيه عندنا الحفظ، والفهم، والمعرفة لا غير." (¬1)
قال الخطيب البغدادي: "والسبيل إلى معرفة علة الحديث أن يُجمَع بين طرقه، ويُنظر في اختلاف رواته، ويُعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط." (¬2)
وبالنظر إلى تعريفات الأئمة للصحيح نجد أن: الشافعي والحميدي لم ينصّا على نفي العلة صراحة بل ذكرا من ضمن شروط الراوي والمروي ما يتضمن نفي ما قد يُعلُّ الرواية ويمرضها، ومن ذلك اشتراط عقل الراوي بما يُحدّث، وعلمه بما يحيل المعنى، واشتراط الحفظ والفهم والموافقة لغيره من الثقات وعدم مخالفتهم، ونفي التدليس وما إلى ذلك مما اشترطه الشافعي.
أما الحميدي فقد ذكر أنه متى ظهر له وهم الراوي أو كذبه أو نسيانه، وما إلى ذلك من علل خفيّة، فإنها تكون سبباً في ردّ الحديث، وعدم قبوله، حيث قال: "والباطن ما غاب عنا من وهم المحدث وكذبه ونسيانه, وإدخاله بينه وبين من حدث عنه رجلاً وأكثر, وما أشبه ذلك مما يمكن أن يكون ذلك على خلاف ما قال, فلم نكلف علمه إلا بشيء ظهر لنا, فلا يسعنا حينئذ قبوله لما ظهر لنا منه." (¬3)، وصنيعه في مسنده- والذي يظهر دقّته في
النقل وبيان بعض الأوهام اليسيرة التي وقع فيها شيخه ابن عيينة، والتنبيه عليها- دليل على حرصه في تنقية الحديث مما قد يضعفه ويوهنه (¬4).
¬_________
(¬1) الحاكم، علوم الحديث، 112 - 113.
(¬2) الخطيب البغدادي، أخلاق الراوي، 2/ 295.
(¬3) الخطيب البغدادي، الكفاية، 24.
(¬4) من أمثلة ذلك في مسند الحميدي:
- فقد أخرج الحميدي لشيخه سفيان بن عيينة حديثاً لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من طريقين، مرة عن هشام بن عروة، والأخرى عن الزهري، وصرّح بعدم سماع شيخه لهذا الحديث من الزهري. "فقال: ثنا سفيان قال: ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ من غلبة الدين)) 1/ 281 ح (246).
وأخرج له أيضاً حديثاً من روايته عن أبي الزبير، وصرّح بأنه لم يسمعه منه، فقال: "ثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: نزلت في آية الميراث. قال أبو بكر: ولم يسمعه سفيان عن أبي الزبير" 2/ 322 - 323 ح (1265).
- وأشار إلى وهم شيخه بزيادة راوٍ فقال: "ثنا سفيان، قال: ثنا إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن أبيه، عن النعمان بن بشير - قال الحميدي: كان سفيان يغلط فيه - ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في العيد بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وكان يقرأ فيهما إذا وافق ذلك يوم الجمعة)) 2/ 166 ح (949)، وقد أوضح المراد بغلط سفيان قول الترمذي في كتابه العلل: "سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: هو حديث صحيح وكان ابن عيينة يروي هذا الحديث عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر فيضطرب في روايته. قال مرة حبيب بن سالم, عن أبيه, عن النعمان بن بشير وهو وهم, والصحيح حبيب بن سالم, عن النعمان بن بشير". الترمذي، العل الكبير، 92 ح (152).

الصفحة 90