كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

وأما الخطابي فلم ينصّ في تعريف الصحيح على اشتراط نفي العلة؛ لكنه بعد أن عرّف الصحيح ثم الحسن ذكر أن سنن أبي داود تجمع هذين النوعين، ثم تطرّق إلى الضعيف، وما فيه علّة تضعفه فأشار إلى خلو الكتاب منه، وإن كان فيه شيء فإن أبا داود "لا يألو أن يبين أمره ويذكر علته ويخرج من عهدته." (¬1)، وهو يشير إلى استبعاد كل ما فيه علة عن حد الصحيح والحسن (¬2).
أما الحاكم فلم ينصّ على نفي العلة في وصفه للصحيح، لكنّه قال تحت هذا النوع: "إن الصحيح لا يُعرف بروايته فقط، وإنما يُعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع، وليس لهذا
¬_________
= ونجد ابن حبان في صحيحه في أكثر من موضع يدفع ما قد يُتوهم من علّة في بعض الأحاديث التي أخرجها، ويذكر السبب، ومن ذلك:
قوله تحت باب ذكر الأمر بالوضوء من أكل لحم الجزور، : "ذكر خبر أوهم غير المتبحر في صناعة الحديث أن هذا الخبر معلول:
أخبرنا عبدالله بن محمد الأزدي قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا النضر بن شميل قال: حدثنا شعبة عن سماك قال: سمعت أبا ثور بن عكرمة بن جابر بن سمرة عن جابر بن سمرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه سئل عن الصلاة في مبات الغنم فرخص فيها وسئل عن الصلاة في مبات الإبل فنهى عنها وسئل عن الوضوء من لحوم الغنم. 2/ 319 ح (1123).
وقال في موضع آخر: "ذكر خبر قد يوهم غير المتبحر في صناعة الحديث أن خبر أبي حميد الذي ذكرناه معلول ... " وبعد أن ذكر الحديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - عقّب بقوله: "سمع هذا الخبر محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد الساعدي وسمعه من عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه فالطريقان جميعا محفوظان." 3/ 340 - 342 ح (1863).
(¬1) الخطابي، معالم السنن، 1/ 6.
(¬2) من أمثلة ذلك في كتابه معالم السنن:
تأييده لتعليل الإمام أحمد لحديث رافع بن خديج في النهي عن المزارعة، للاضطراب في الرواية، فقال: "وضعف أحمد بن حنبل حديث رافع، وقال هو كثير الألوان يريد اضطراب هذا الحديث واختلاف الروايات عنه فمرة يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومرة يقول حدثني عمومتي عنه ... " وأوضح أن من أخذ بظاهر الرواية لم يطّلع على علتها، فقال: "فإنما صار هؤلاء إلى ظاهر الحديث من رواية رافع بن خديج ولم يقفوا على علته كما وقف عليه أحمد." 3/ 95.
وضعّف حديثاً لتكلّم الأئمة في رواته، ولمعارضته لأحاديث أقوى منه، فقال أثناء شرحه لحديث عبدالله ابن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا قضى الإمام الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يتكلم ... )) "هذا الحديث ضعيف وقد تكلم الناس في بعض نقلته وقد عارضته الأحاديث التي فيها إيجاب التشهد والتسليم ولا أعلم أحدا من الفقهاء قال بظاهره"1/ 175.

الصفحة 93