كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

وقد ذكر الحاكم للعلة أجناساً عشرة على سبيل التمثيل لا الحصر (¬1)، ولعله هو أول من أشار إلى اختلاف العلماء - من فقهاء ومحدثين- في هذا القيد -قيد اشتراط نفي العلة في الحديث الصحيح- أو بشكل أدق في ماهية العلة المؤثرة في صحة الحديث، حيث ذكر في المدخل إلى الإكليل في القسم الثالث من الصحيح المختلف فيه: "خبر يرويه ثقة من الثقات عن إمام من أئمة المسلمين فيسنده، ثم يرويه عنه جماعة من الثقات فيرسلونه ... " ثم أعقب بقوله: "فهذه الأخبار صحيحة على مذهب الفقهاء، فإن القول عندهم فيها: قول من زاد في الإسناد أو المتن إذا كان ثقة.
فأمّا أئمة الحديث فإن القول فيها عندهم: قول الجمهور الذي أرسلوه لما يخُشى من الوهم على هذا الواحد." (¬2) ويُعدّ ما ذكره في هذا القسم مما اُختلف فيه فيعدّه بعض النقاد من أنواع العلل، حيث تُعلّ الرواية المسندة بالمرسلة.
بينما نجد الخليلي يسمّي ذلك علة لكنها لا تتنافى عنده مع الصحة، فيطلق عليه: الصحيح المعلول (¬3)، حيث يقول: العلة تقع للأحاديث من أنحاء شتى, لا يمكن حصرها. فمنها أن
¬_________
(¬1) ينظر أمثلة على أجناس العلل: الحاكم، علوم الحديث، 113 - 119.
(¬2) الحاكم، الإكليل، 47. قال النووي: "وأما إذا رواه بعض الثقات الضابطين متصلاً وبعضهم مرسلاً، أو بعضهم موقوفاً وبعضهم مرفوعاً، أو وصله هو أو رفعه في وقت وأرسله أو وقفه في وقت، فالصحيح الذى قاله المحققون من الحديث وقاله الفقهاء وأصحاب الأصول وصححه الخطيب البغدادي أن الحكم لمن وصله أو رفعه، سواء كان المخالف له مثله أو أكثر وأحفظ؛ لأنه زيادة ثقة وهى مقبولة. وقيل: الحكم لمن أرسله أو وقفه قال الخطيب: وهو أكثر قول المحدثين، وقيل: الحكم للأكثر، وقيل: للأحفظ".
بينما عزا ابن حجر ترجيح المحدثين إلى القرائن التي تحفُّ بكل رواية على حده، فقال عن منهج الشيخين في كتابه الفتح: "والتحقيق أنهما ليس لهما في تقديم الوصل عمل مطرد؛ بل هو دائر مع القرينة فمهما ترجح بها اعتمداه. وإلا فكم حديث أعرضا عن تصحيحه للاختلاف في وصله وإرساله".
وقال في النكت - فيما يخص منهج المحدثين بشكل عام-: "والذي يجري على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من القبول والرد، بل يرجحون بالقرائن كما قدمناه في مسألة تعارض الوصل والإرسال.". ينظر: المراجع: النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم، ابن حجر، الفتح، 10/ 203، ابن حجر، النكت، 2/ 687
(¬3) سيأتي تفصيل مراد الخليلي بالصحيح المعلول في الفصل الثامن (الحديث المعلل).

الصفحة 95