كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

والجواب عن ذلك: أنه إنما أراد وصف الحديث المرفوع؛ لأنه الأصل الذي يتكلم عليه، والمختار في وصف المسند على ما سنذكره أنه الحديث الذي يرفعه الصحابي مع ظهور الاتصال في باقي الإسناد، فعلى هذا لا بد من التعرض لاتصال الإسناد في شرط الصحيح، والله أعلم" (¬1).
وبتأمل تعريف الصحيح عند من سبق ابن الصلاح نجد أن الشافعي لم يشترط في الصحيح أن يكون من قبيل المرفوع فقال: "حتى ينتهى بالحديث موصولا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى من انتهي به إليه دونه".
أما الحميدي فقد كان جوابه وفق ما وُجِّه إليه من سؤال، فإنه سُئِل عن الحديث المرفوع، فأكّد على اتصال السند إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونصه: "فإن قال قائل: فما الحديث الذي يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويلزمنا الحجة به؟ ... " إلى أن قال: " حتى ينتهي ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - "، فقد أجاب وفق منطوق السؤال، ولا يُفهم من ذلك حصره لشروط الصحيح في الحديث
المرفوع فقط، وقد ضمّ مسنده نسبة قليلة جداً من الأحاديث الموقوفة، وكان ينبّه إلى أن شيخه ابن عيينة لم يرفعها. (¬2)
¬_________
(¬1) ابن حجر، النكت، 1/ 234.
(¬2) كان الحميدي حريصاً في تمييز الطرق التي أوقفها شيخه عن المرفوعة رغم قلتها، وكان يسأل شيخه عن بعضها، ومن أمثلة ذلك في مسنده:
- بعد أن أخرج قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في خطبة العيد: ((لا يأكلن أحدكم من لحم نسكه فوق ثلاث)). 1/ 152 ح (8).
- وأخرج عن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: ((من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر)). 1/ 370 - 371 ح (384).
- وأخرج حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - مرفوعا ((الربا في النسيئة)) .. 1/ 469 ح (555). وتدل الأمثلة على حرصه في تبيين وتمييز الموقوف من المرفوع في مسنده.

الصفحة 99