كتاب البداية والنهاية ط هجر (اسم الجزء: 1)
{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف: 35]
[يُوسُفَ: 35 - 41] .
يَذْكُرُ تَعَالَى عَنِ الْعَزِيزِ وَامْرَأَتِهِ أَنَّهُمْ بَدَا لَهُمْ أَيْ ظَهَرَ لَهُمْ مِنَ الرَّأْيِ بَعْدَ مَا عَلِمُوا بَرَاءَةَ يُوسُفَ أَنْ يَسْجُنُوهُ إِلَى وَقْتٍ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَقَلَّ لِكَلَامِ النَّاسِ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ، وَأَخْمَدَ لِأَمْرِهَا وَلِيُظْهِرُوا أَنَّهُ رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَسُجِنَ بِسَبَبِهَا، فَسَجَنُوهُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، وَكَانَ هَذَا مِمَّا قَدَّرَ اللَّهُ لَهُ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا عَصَمَهُ بِهِ فَإِنَّهُ أَبْعَدُ لَهُ عَنْ مُعَاشَرَتِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِمْ، وَمِنْ هَاهُنَا اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ مَا حَكَاهُ عَنْهُمُ الشَّافِعِيُّ أَنَّ مِنَ الْعِصْمَةِ أَنْ لَا تَجِدَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} [يوسف: 36] . قِيلَ: كَانَ أَحَدُهُمَا سَاقِيَ الْمَلِكِ، وَاسْمُهُ فِيمَا قِيلَ: بَنُو. وَالْآخَرُ خَبَّازَهُ يَعْنِي الَّذِي يَلِي طَعَامَهُ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ لَهُ التُّرْكُ: الْجَاشَنْكِيرُ، وَاسْمُهُ فِيمَا قِيلَ: مَجْلَثُ. كَانَ الْمَلِكُ قَدِ اتَّهَمَهُمَا فِي بَعْضِ الْأُمُورِ فَسَجَنَهُمَا، فَلَمَّا رَأَيَا يُوسُفَ فِي السِّجْنِ أَعْجَبَهُمَا سَمْتُهُ وَهَدْيُهُ وَدَلُّهُ وَطَرِيقَتُهُ وَقَوْلُهُ وَفِعْلُهُ وَكَثْرَةُ عِبَادَتِهِ رَبَّهُ وَإِحْسَانُهُ إِلَى خَلْقِهِ، فَرَأَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُؤْيَا تُنَاسِبُهُ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: رَأَيَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَمَّا السَّاقِي فَرَأَى كَأَنَّ ثَلَاثَ قُضْبَانٍ مِنْ حَبْلَةٍ قَدْ أَوْرَقَتْ وَأَيْنَعَتْ عَنَاقِيدُ الْعِنَبِ فَأَخَذَهَا فَاعْتَصَرَهَا فِي كَأْسِ الْمَلِكِ وَسَقَاهُ، وَرَأَى الْخَبَّازُ
الصفحة 474