كتاب البداية والنهاية ط هجر (اسم الجزء: 4)
انْصَرَفَ عُمَرُ وَحْدَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالصَّحِيحُ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ خُرُوجِ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنَ الْبَعْثَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا كَيْفِيَّةَ إِسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي كِتَابِ سِيرَتِهِمَا عَلَى انْفِرَادِهَا، وَبَسَطْنَا الْقَوْلَ هُنَالِكَ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ مَا بُعِثَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَهُوَ حِينَئِذٍ مُسْتَخْفِيًا، فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: " أَنَا نَبِيٌّ ". فَقُلْتُ: وَمَا النَّبِيُّ؟ قَالَ: " رَسُولُ اللَّهِ ". قُلْتُ: آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ: بِمَ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: " بِأَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَتَكْسِرَ الْأَصْنَامَ، وَتَصِلَ الْأَرْحَامَ ". قَالَ: قُلْتُ: نِعْمَ مَا أَرْسَلَكَ بِهِ، فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: " حُرٌّ وَعَبْدٌ ". يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَبِلَالًا قَالَ: فَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا رُبُعُ الْإِسْلَامِ. قَالَ: فَأَسْلَمْتُ. قُلْتُ: فَأَتَّبِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " لَا، وَلَكِنِ الْحَقْ بِقَوْمِكَ، فَإِذَا أُخْبِرْتَ أَنِّي قَدْ خَرَجْتُ فَاتَّبِعْنِي ". وَيُقَالُ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " حُرٌّ وَعَبْدٌ ". اسْمُ جِنْسٍ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ بِأَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ ; فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ قَدْ أَسْلَمُوا قَبْلَ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَقَدْ كَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَسْلَمَ قَبْلَ بِلَالٍ أَيْضًا، فَلَعَلَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ رُبُعُ الْإِسْلَامِ بِحَسَبِ عِلْمِهِ ; فَإِنَّ
الصفحة 79