كتاب البداية والنهاية ط هجر (اسم الجزء: 5)
الْأَوْزَاعِيُّ: كَانَ يُقَالُ: قَلَّمَا ثَبَتَ قَوْمٌ قِيَامًا، فَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَجْلِسَ، أَوْ يَغُضَّ طَرْفَهُ، وَيَذْكُرَ اللَّهَ، رَجَوْتُ أَنْ يَسْلَمَ مِنَ الرِّيَاءِ.
وَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَصْحَابِهِ: أَلَّا تَرَوْنَهُمْ، يَعْنِي أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِثِيًّا عَلَى الرُّكَبِ، كَأَنَّهُمْ حَرَسٌ يَتَلَمَّظُونَ كَمَا تَتَلَمَّظُ الْحَيَّاتُ. أَوْ قَالَ: الْأَفَاعِي.
قَالَ الْأُمَوِيُّ فِي " مَغَازِيهِ ": وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ حَرَّضَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقِتَالِ، قَدْ نَفَلَ كُلَّ امْرِئٍ مَا أَصَابَ، وَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُقَاتِلُهُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ، فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ. وَذَكَرَ قِصَّةَ عُمَيْرِ بْنِ الْحُمَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ قِتَالًا شَدِيدًا بِبَدَنِهِ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، كَمَا كَانَا فِي الْعَرِيشِ يُجَاهِدَانِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، ثُمَّ نَزَلَا، فَحَرَّضَا وَحَثَّا عَلَى الْقِتَالِ، وَقَاتِلَا بِالْأَبْدَانِ، جَمْعًا بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَنَحْنُ نَلُوذُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَقْرَبُنَا مِنَ الْعَدُوِّ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَأْسًا»
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:
الصفحة 111