كتاب البداية والنهاية ط هجر (اسم الجزء: 5)

عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ مُتَقَلِّدًا بِالسَّيْفِ، وَمَعَهُ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَدْهَمَهُ الْعَدُوُّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَالْجَنَائِبُ النَّجَائِبُ مُهَيَّأَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهَا رَكِبَهَا وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، كَمَا أَشَارَ بِهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ.
وَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ فِي " مُسْنَدِهِ " مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَطَبَهُمْ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ أَشْجَعُ النَّاسِ؟ فَقَالُوا: أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: أَمَا إِنِّي مَا بَارَزَنِي أَحَدٌ إِلَّا انْتَصَفْتُ مِنْهُ، وَلَكِنْ هُوَ أَبُو بَكْرٍ، إِنَّا جَعَلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِيشًا، فَقُلْنَا: مَنْ يَكُونُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِئَلَّا يَهْوِي إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؟ فَوَاللَّهِ مَا دَنَا أَحَدٌ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ، شَاهِرًا بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَهْوِي إِلَيْهِ أَحَدٌ، إِلَّا أَهْوَى إِلَيْهِ، فَهَذَا أَشْجَعُ النَّاسِ. قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَتْهُ قُرَيْشٌ، فَهَذَا يَجَؤُهُ، وَهَذَا يُتَلْتِلُهُ، وَيَقُولُونَ: أَنْتَ جَعَلْتَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا. فَوَاللَّهِ مَا دَنَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ، يَضْرِبُ هَذَا، وَيَجَأُ هَذَا، وَيُتَلْتِلُ هَذَا، وَهُوَ يَقُولُ: وَيْلَكُمْ، أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ: رَبِّيَ اللَّهُ. ثُمَّ رَفَعَ عَلِيٌّ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيْهِ، فَبَكَى حَتَّى اخْضَلَّتْ

الصفحة 92