كتاب البداية والنهاية ط هجر (اسم الجزء: 6)

" قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ، وَالسُّدِّيُّ: كَانَ اللَّهُ قَدْ أَعْلَمَهُ أَنَّهَا سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَهُوَ الَّذِي كَانَ فِي نَفْسِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَدْ تَكَلَّمَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ هَاهُنَا بِآثَارٍ غَرِيبَةٍ، وَبَعْضُهَا فِيهِ نَظَرٌ، تَرَكْنَاهَا قَصْدًا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وَذَلِكَ أَنَّ زَيْدًا طَلَّقَهَا، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، بَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُهَا إِلَى نَفْسِهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَكَانَ الَّذِي زَوَّجَهَا مِنْهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِيَ اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ. وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ: أَنْكَحَنِيَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ. وَفِيهَا أُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب: 53] الْآيَةَ (الْأَحْزَابِ: 53)
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «جَاءَ زَيْدٌ يَشْكُو زَيْنَبَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اتَّقِ اللَّهَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» قَالَ أَنَسٌ: فَلَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ،

الصفحة 152