كتاب البداية والنهاية ط هجر (اسم الجزء: 7)

بَضْعَةً، وَوُضِعَتْ فِي قِدْرٍ، وَطُبِخَتْ حَتَّى نَضِجَتْ، فَأَكَلَ مِنْ ذَلِكَ اللَّحْمِ، وَشَرِبَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَقِ، وَفِي غُضُونِ ذَلِكَ حَلَقَ رَأْسَهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَتَطَيَّبَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ، وَقَدْ خَطَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي هَذَا الْيَوْمِ خُطْبَةً عَظِيمَةً، وَلَسْتُ أَدْرِي أَكَانَتْ قَبْلَ ذَهَابِهِ إِلَى الْبَيْتِ أَوْ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْهُ إِلَى مِنًى. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ رَاكِبًا، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَمِنْ نَبِيذٍ بِتَمْرٍ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ. فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ. كَمَا رَوَاهُ جَابِرٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مِنًى فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ، فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ بِمِنًى الظُّهْرَ أَيْضًا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشْكَلَ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ، فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فِيهِ، وَهُوَ مَعْذُورٌ لِتَعَارُضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، الْمَعْنَى، قَالَا: ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى، فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ.»

الصفحة 623