كتاب البداية والنهاية ط هجر (اسم الجزء: 9)

وَلَيَنْصُرَنَّهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أُمَّتِهِ الْمِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهْمُ أَحْيَاءٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَتَّبِعُنَّهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ وُجِدَتِ الْبِشَارَاتِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تَحْصُرَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا قَبْلَ مَوْلِدِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، طَرَفًا صَالِحًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَرَّرْنَا فِي كِتَابِ " التَّفْسِيرِ " عِنْدَ الْآيَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ آثَارًا كَثِيرَةً، وَنَحْنُ نُورِدُ هَا هُنَا شَيْئًا مِمَّا وُجِدَ فِي كُتُبِهِمُ الَّتِي يَعْتَرِفُونَ بِصِحَّتِهَا، وَيَتَدَيَّنُونَ بِتِلَاوَتِهَا، مِمَّا جَمَعَهُ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِمَّنْ آمَنَ مِنْهُمْ، وَاطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِمُ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ; فَفِي السِّفْرِ الْأَوَّلِ مِنَ التَّوْرَاةِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَا مَضْمُونُهُ وَتَعْرِيبُهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَعْدَ مَا سَلَّمَهُ مِنْ نَارِ النَّمْرُودِ أَنْ قُمْ فَاسْلُكِ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا لِوَلَدِكَ، فَلَمَّا قَصَّ ذَلِكَ عَلَى سَارَّةَ طَمِعَتْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَلَدِهَا مِنْهُ، وَحَرَصَتْ عَلَى إِبْعَادِ هَاجَرَ وَوَلَدِهَا، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا الْخَلِيلُ إِلَى بَرِّيَّةِ الْحِجَازِ وَجِبَالِ فَارَانَ، وَظَنَّ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّ هَذِهِ الْبِشَارَةَ تَكُونُ لِوَلَدِهِ إِسْحَاقَ، حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ مَا مَضْمُونُهُ: أَمَّا وَلَدُكَ إِسْحَاقُ فَإِنَّهُ يُرْزَقُ ذُرِّيَّةً عَظِيمَةً، وَأَمَّا وَلَدُكَ إِسْمَاعِيلُ فَإِنِّي بَارَكْتُهُ وَعَظَّمْتُهُ، وَكَثَّرْتُ ذُرِّيَّتَهُ، وَجَعَلْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مَاذَ مَاذَ - يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَلْتُ فِي ذُرِّيَّتِهِ اثْنَيْ عَشَرَ إِمَامًا، وَتَكُونُ لَهُ أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَكَذَلِكَ بُشِّرَتْ هَاجَرُ حِينَ وَضْعَهَا الْخَلِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ، فَعَطِشَتْ وَحَزِنَتْ عَلَى وَلَدِهَا، وَجَاءَ الْمَلِكُ فَأَنْبَعَ لَهَا زَمْزَمَ، وَأَمَرَهَا بِالِاحْتِفَاظِ بِهَذَا الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ مِنْهُ عَظِيمٌ، لَهُ ذُرِّيَّةٌ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ، بَلْ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ

الصفحة 106