كتاب البداية والنهاية ط هجر (اسم الجزء: 9)

وَقَدِ اعْتَنَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ بِحَدِيثِ الْبَعِيرِ فِي كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " وَطُرُقِهِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ الثُّمَالِيِّ قَالَ: جِيءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِتِّ زَوْدٍ فَجَعَلْنَ يَزْدَلِفْنَ إِلَيْهِ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ. وَقَدْ قَدَّمْتُ الْحَدِيثَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
قُلْتُ: قَدْ أَسْلَفْنَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَ قِصَّةِ الشَّجَرَتَيْنِ، وَذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ نَحْوًا مِنْ حَدِيثِ الْجَمَلِ، لَكِنْ بِسِيَاقٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ هَذَا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي حَدِيثُ الصَّبِيِّ الَّذِي كَانَ يُصْرَعُ وَدُعَاؤُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَهُ وَبُرْؤُهُ فِي الْحَالِ، مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ تَبَاعَدَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ وَلَا شَجَرٌ، فَقَالَ لِي: " يَا جَابِرُ خُذِ الْإِدَاوَةَ وَانْطَلِقْ بِنَا ". فَمَلَأْتُ الْإِدَاوَةَ مَاءً، وَانْطَلَقْنَا فَمَشَيْنَا حَتَّى لَا نَكَادُ نُرَى، فَإِذَا شَجَرَتَانِ بَيْنَهُمَا أَذْرُعٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا جَابِرُ، انْطَلِقْ فَقُلْ لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ: يَقُولُ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَقِي بِصَاحِبَتِكِ حَتَّى أَجْلِسَ خَلْفَكُمَا ". فَفَعَلْتُ، فَرَجَعَتْ فَلَحِقَتْ بِصَاحِبَتِهَا، فَجَلَسَ خَلْفَهُمَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ رَجَعْنَا فَرَكِبْنَا رَوَاحِلَنَا، فَسِرْنَا كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ تُظِلُّنَا، وَإِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ قَدْ

الصفحة 16