كتاب البداية والنهاية ط هجر (اسم الجزء: 12)

فَقَالَ عُمَرُ: لَكِنِّي نَكَحْتُ الْمُتَنَعِّمَاتِ، فَاطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَفُتِحَتْ لِيَ السُّدَدُ فَلَا جَرَمَ لَا أَغْسِلُ رَأْسِي حَتَّى يَشْعَثَ، وَلَا أُلْقِى ثَوْبِي حَتَّى يَتَّسِخَ.
قَالُوا: وَكَانَ لَهُ سِرَاجٌ يَكْتُبُ عَلَيْهِ حَوَائِجَهُ، وَسِرَاجٌ لِبَيْتِ الْمَالِ يَكْتُبُ عَلَيْهِ مَصَالِحَ الْمُسْلِمِينَ، لَا يَكْتُبُ عَلَى ضَوْئِهِ لِنَفْسِهِ حَرْفًا. وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ كُلَّ يَوْمٍ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَلَا يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ، وَكَانَ لَهُ ثَلَاثُمِائَةِ شُرَطِيٍّ، وَثَلَاثُمِائَةِ حَرَسِيٍّ، وَأَهْدَى لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ تُفَّاحًا فَاشْتَمَّهُ ثُمَّ رَدَّهُ مَعَ الرَّسُولِ، وَقَالَ لَهُ: قُلْ لَهُ: قَدْ بَلَغَتْ مَحَلَّهَا. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَهَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ. فَقَالَ: إِنَّ الْهَدِيَّةَ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً، فَأَمَّا نَحْنُ فَهِيَ لَنَا رِشْوَةٌ.
قَالُوا: وَكَانَ يُوَسِّعُ عَلَى عُمَّالِهِ فِي النَّفَقَةِ ; يُعْطِي الرَّجُلَ مِنْهُمْ فِي الشَّهْرِ مِائَةَ دِينَارٍ، وَمِائَتَيْ دِينَارٍ، وَكَانَ يَتَأَوَّلُ أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا فِي كِفَايَةٍ تَفَرَّغُوا لِأَشْغَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا لَهُ: لَوْ أَنْفَقْتَ عَلَى عِيَالِكَ كَمَا تُنْفِقُ عَلَى عُمَّالِكَ؟ فَقَالَ: لَا أَمْنَعُهُمْ حَقًّا لَهُمْ، وَلَا أُعْطِيهِمْ حَقَّ غَيْرِهِمْ. وَكَانَ أَهْلُهُ قَدْ بَقُوا فِي جَهْدٍ عَظِيمٍ فَاعْتَذَرَ بِأَنَّ مَعَهُمْ سَلَفًا كَثِيرًا مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ، وَقَالَ يَوْمًا لِرَجُلٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ تَقِفَ بِبَابِي وَلَا يُؤْذَنُ لَكَ. وَقَالَ لِآخَرَ مِنْهُمْ: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ وَأَرْغَبُ بِكَ أَنْ أُدَنِّسَكَ بِالدُّنْيَا لِمَا أَكْرَمَكُمُ اللَّهُ بِهِ. وَقَالَ أَيْضًا: كُنَّا نَحْنُ وَبَنُو عَمِّنَا بَنُو هَاشِمٍ، مَرَّةً لَنَا وَمَرَّةً عَلَيْنَا، نَلْجَأُ إِلَيْهِمْ وَيَلْجَئُونَ إِلَيْنَا، حَتَّى

الصفحة 701