كتاب البداية والنهاية ط هجر (اسم الجزء: 12)

صَاحِبُكُمْ، كُلُّكُمْ يَصِيرُ إِلَيْهِ غَدًا.
وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ إِلَى الْقُبُورِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا أَيُّوبَ، هَذِهِ قُبُورُ آبَائِي بَنِي أُمَيَّةَ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يُشَارِكُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي لَذَّتِهِمْ وَعَيْشِهِمْ، أَمَا تَرَاهُمْ صَرْعَى قَدْ خَلَتْ فِيهِمُ الْمَثُلَاتُ، وَاسْتَحْكَمَ فِيهِمُ الْبَلَاءُ؟ ثُمَّ بَكَى حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا بِنَا فَوَاللَّهِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَنْعَمَ مِمَّنْ صَارَ إِلَى هَذِهِ الْقُبُورِ، وَقَدْ أَمِنَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي جِنَازَةٍ، فَلَمَّا دُفِنَتْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: قِفُوا حَتَّى آتِيَ قُبُورَ الْأَحِبَّةِ. فَأَتَاهُمْ فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَدْعُو، إِذْ هَتَفَ بِهِ التُّرَابُ، فَقَالَ: يَا عُمَرُ أَلَا تَسْأَلُنِي مَا فَعَلْتُ فِي الْأَحِبَّةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَمَا فَعَلْتَ بِهِمْ؟ قَالَ: مَزَّقْتُ الْأَكْفَانَ، وَأَكَلْتُ اللُّحُومَ، وَشَدَخْتُ الْمُقْلَتَيْنِ، وَأَكَلْتُ الْحَدَقَتَيْنِ، وَنَزَعْتُ الْكَفَّيْنِ مِنَ السَّاعِدَيْنِ، وَالسَّاعِدَيْنِ مِنَ الْعَضُدَيْنِ، وَالْعَضُدَيْنِ مِنَ الْمَنْكِبَيْنِ، وَالْمَنْكِبَيْنِ مِنَ الصُّلْبِ، وَالْقَدَمَيْنِ مِنَ السَّاقَيْنِ، وَالسَّاقَيْنِ مِنَ الْفَخْذَيْنِ، وَالْفَخْذَيْنِ مِنَ الْوِرْكِ، وَالْوِرْكَ مِنَ الصُّلْبِ وَعُمَرُ يَبْكِي. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ قَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَكْفَانٍ لَا تَبْلَى؟ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تَقْوَى اللَّهِ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ.
وَقَالَ مَرَّةً لِرَجُلٍ مِنْ جُلَسَائِهِ: لَقَدْ أَرِقْتُ اللَّيْلَةَ مُفَكِّرًا. قَالَ: وَفِيمَ يَا أَمِيرَ

الصفحة 704