كتاب البداية والنهاية ط هجر (اسم الجزء: 14)

أَبُو الْقَاسِمِ، أَحَدُ الْمَشَاهِيرِ بِالْغِنَاءِ، وَمِمَّنْ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِيهِ، فَيُقَالُ: غِنَاءُ بْنُ جَامِعٍ. وَقَدْ كَانَ أَوَّلًا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ ثُمَّ صَارَ إِلَى صِنَاعَةِ الْغِنَاءِ، وَذَكَرَ عَنْهُ أَبُو الْفَرَجِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَصْبَهَانِيُّ صَاحِبُ الْأَغَانِي حِكَايَاتٍ غَرِيبَةً؛ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا مُشْرِفًا فِي غُرْفَةٍ بِحَرَّانَ إِذْ أَقْبَلَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ مَعَهَا قِرْبَةٌ تَسْتَقِي فِيهَا مِنْ مَشْرَعَةٍ فَجَلَسَتْ وَوَضَعَتْ قِرْبَتَهَا وَانْدَفَعَتْ تُغَنِّي.
إِلَى اللَّهِ أَشْكُو بُخْلَهَا وَسَمَاحَتِي ... لَهَا عَسَلٌ مِنِّي وَتَبْذُلُ عَلْقَمَا
فَرُدِّي مُصَابَ الْقَلْبِ أَنْتِ قَتَلْتِهِ ... وَلَا تُبْعِدِي فِيمَا تَجَشَّمْتِ كُلْثُمَا
قَالَ: فَسَمِعْتُ مَا لَا صَبْرَ لِي عَنْهُ، وَرَجَوْتُ أَنْ تُعِيدَهُ، فَقَامَتْ وَانْصَرَفَتْ، فَنَزَلْتُ وَانْطَلَقْتُ وَرَاءَهَا وَسَأَلْتُهَا أَنْ تُعِيدَهُ، فَقَالَتْ: إِنَّ عَلَيَّ خَرَاجًا كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَانِ. فَأَعْطَيْتُهَا دِرْهَمَيْنِ فَأَعَادَتْهُ فَحَفِظْتُهُ وَسَلَكْتُهُ يَوْمِي ذَلِكَ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أُنْسِيتُهُ، فَأَقْبَلَتِ السَّوْدَاءُ فَسَأَلْتُهَا أَنْ تُعِيدَهُ فَلَمْ تَفْعَلْ إِلَّا بِدِرْهَمَيْنِ، ثُمَّ قَالَتْ: كَأَنَّكَ تَسْتَكْثِرُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، كَأَنِّي بِكَ وَقَدْ أَخَذْتَ بِهِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِينَارٍ. قَالَ ابْنُ جَامِعٍ: فَغَنَّيْتُهُ لَيْلَةً لِلرَّشِيدِ فَأَعْطَانِي أَلْفَ دِينَارٍ، ثُمَّ

الصفحة 11