كتاب البداية والنهاية ط هجر (اسم الجزء: 16)

بِإِيَابِهِ، وَأَصْلَحَ مَا كَانَ وَهَى مِنْ مَمْلَكَتِهِ بِسَبَبِ مَا كَانَ اشْتَهَرَ مِنْ عَدَمِهِ، وَحَاصَرَ هَرَاةَ وَأَخَذَهَا عَنْوَةً.
وَأَمَّا الَّذِي كَانَ قَدْ أَسَرَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ يَوْمًا لِابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ النَّاسَ يَنُوحُونَ أَنَّ خُوَارِزْمَ شَاهْ قَدْ عُدِمَ. فَقَالَ: لَا؛ هُوَ الَّذِي كَانَ فِي أَسْرِكَ. فَقَالَ لَهُ: فَهَلَّا أَعْلَمْتَنِي بِهِ حَتَّى كُنْتُ أَرُدُّهُ مُوَقَّرًا مُعَظَّمًا! فَقَالَ: خِفْتُكَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: سِرْ بِنَا إِلَيْهِ. فَسَارَا إِلَيْهِ فَأَكْرَمَهُمَا إِكْرَامًا زَائِدًا، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمَا.
وَفِيهَا غَدَرَ صَاحِبُ سَمَرْقَنْدَ فَقَتَلَ كُلَّ مَنْ كَانَ بِبَلَدِهِ مِنَ الْخُوَارِزْمِيَّةِ، حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يُقْطَعُ قِطْعَتَيْنِ، وَيُعَلَّقُ فِي السُّوقِ كَمَا تُعَلَّقَ الْأَغْنَامُ، وَعَزَمَ عَلَى قَتْلِ زَوْجَتِهِ بِنْتِ خُوَارِزْمِ شَاهْ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَتْلِهَا، وَحَصَرَهَا وَحَبَسَهَا فِي قَلْعَةٍ وَضَيَّقَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى الْمَلِكِ خُوَارِزْمَ شَاهْ سَارَ إِلَيْهِ فِي الْجُنُودِ فَنَازَلَهُ وَحَاصَرَ سَمَرْقَنْدَ فَأَخَذَهَا قَهْرًا، وَقَتَلَ مِنْ أَهْلِهَا نَحْوًا مِنْ مِائَتَيْ أَلْفٍ، وَأَنْزَلَ الْمَلِكَ مِنَ الْقَلْعَةِ وَقُتِلَ صَبْرًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا، وَاسْتَحْوَذَ خُوَارِزْمُ شَاهْ عَلَى تِلْكَ الْمَمَالِكِ الَّتِي هُنَالِكَ.
وَفِيهَا تَحَارَبَ الْخِطَا وَمَلِكُ التَّتَارِ كَشْلَى خَانْ الْمُتَاخِمُ لِمَمْلَكَةِ الصِّينِ، فَكَتَبَ مَلِكُ الْخِطَا إِلَى خُوَارِزْمِ شَاهْ يَسْتَنْجِدُهُ عَلَى التَّتَارِ، وَيَقُولُ: مَتَى غَلَبُونَا خَلَصُوا إِلَى بِلَادِكَ. وَكَذَا وَقَعَ. وَكَتَبَ التَّتَارُ إِلَيْهِ أَيْضًا يَسْتَنْصِرُونَهُ عَلَى الْخِطَا وَيَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ أَعْدَاؤُنَا وَأَعْدَاؤُكَ، فَكُنْ مَعَنَا عَلَيْهِمْ. فَكَتَبَ إِلَى كُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ يُطَيِّبُ قَلْبَهُ، وَحَضَرَ الْوَقْعَةَ بَيْنَهُمْ وَهُوَ مُتَحَيِّزٌ عَنِ الْفَرِيقَيْنِ، فَكَانَتِ الدَّائِرَةُ عَلَى الْخِطَا، فَهَلَكُوا إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْهُمْ. وَغَدَرَ التَّتَارُ مَا كَانُوا عَاهَدُوا عَلَيْهِ خُوَارِزْمَ شَاهْ، فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمَا الْوَحْشَةُ الْأَكِيدَةُ، وَتَوَاعَدُوا لِلْقِتَالِ، وَخَافَ مِنْهُمْ خُوَارِزْمُ شَاهْ،

الصفحة 757