كتاب البداية والنهاية ط هجر (اسم الجزء: 18)

أَرْبَعُونَ أَمِيرًا، وَجَمِيعُ أَوْلَادِ الْأُمَرَاءِ، وَحَجَّ مَعَهُمْ وَزِيرُ مِصْرَ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ الْبَغْدَادِيُّ، وَتَوَلَّى مَكَانَهُ بِالْبِرْكَةِ الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ الشَّيْخِيُّ، وَخَرَجَ سَلَّارُ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ جِدًّا، وَأَمِيرُ رَكْبِ الْمِصْرِيِّينَ الْحَاجُّ أَنَاقُ الْحُسَامِيُّ.
وَتَرَكَ الشَّيْخُ صَفِيُّ الدِّينِ مَشْيَخَةَ الشُّيُوخِ، فَوَلِيَهَا الْقَاضِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الزَّكِيِّ، وَحَضَرَ الْخَانَقَاهْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَادِي عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ ابْنُ صَصْرَى، وَعِزُّ الدِّينِ بْنُ الْقَلَانِسِيِّ، وَالصَّاحِبُ ابْنُ مُيَسَّرٍ، وَالْمُحْتَسِبُ، وَجَمَاعَةٌ.
وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ وَصَلَ مِنَ التَّتَرِ مَقْدِمٌ كَبِيرٌ قَدْ هَرَبَ مِنْهُمْ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الْأَمِيرُ بَدْرُ الدِّينِ جَنْكَلِي بْنُ الْبَابَا، وَفِي صُحْبَتِهِ نَحْوٌ مَنْ عَشَرَةٍ، فَحَضَرُوا الْجُمُعَةَ فِي الْجَامِعِ، وَتَوَجَّهُوا إِلَى مِصْرَ، فَأُكْرِمَ، وَأُعْطِيَ إِمْرَةَ أَلْفٍ، وَكَانَ مُقَامُهُ بِبِلَادِ آمِدَ، وَكَانَ يُنَاصِحُ السُّلْطَانَ، وَيُكَاتِبُهُ، وَيُطْلِعُهُ عَلَى عَوْرَاتِ التَّتَرِ، فَلِهَذَا عَظُمَ شَأْنُهُ فِي الدَّوْلَةِ النَّاصِرِيَّةِ.

[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: مَلِكُ التَّتَرِ قَازَانُ بْنُ أَرْغُوَنَ بْنِ أَبْغَا، تَقَدَّمَ.
الشَّيْخُ الْقُدْوَةُ الْعَابِدُ الزَّاهِدُ الْوَرِعُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعَالِي بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الرَّقِّيُّ الْحَنْبَلِيُّ، كَانَ أَصْلُهُ مِنْ بِلَادِ الشَّرْقِ، وَمَوْلِدُهُ بِالرَّقَّةِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَاشْتَغَلَ، وَحَصَّلَ، وَسَمِعَ شَيْئًا مِنَ الْحَدِيثِ، وَقَدِمَ دِمَشْقَ، فَسَكَنَ بِالْمِئْذَنَةِ الشَّرْقِيَّةِ فِي أَسْفَلِهَا بِأَهْلِهِ إِلَى جَانِبِ الطَّهَارَةِ بِالْجَامِعِ، وَكَانَ مُعَظَّمًا عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، فَصِيحَ الْعِبَارَةِ، كَثِيرَ الْعِبَادَةِ، خَشِنَ الْعَيْشِ، حَسَنَ الْمُجَالَسَةِ، لِطَيْفَ الْمُفَاكَهَةِ، كَثِيرَ التِّلَاوَةِ، قَوِيَّ التَّوَجُّهِ، مِنْ أَفْرَادِ الْعَالَمِ، عَارِفًا بِالتَّفْسِيرِ، وَالْحَدِيثِ، وَالْفِقْهِ، وَالْأَصْلَيْنِ، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ وَخُطَبٌ، وَلَهُ شِعْرٌ حَسَنٌ، تُوُفِّيَ بِمَنْزِلِهِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ خَامِسَ عَشَرَ الْمُحَرَّمِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ عُقَيْبَ الْجُمُعَةِ، وَنُقِلَ إِلَى تُرْبَةِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ بِالسَّفْحِ وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ حَافِلَةً رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ.
وَفِي هَذَا الشَّهْرِ تُوُفِّيَ الْأَمِيرُ زَيْنُ الدِّينِ قَرَاجَا أُسْتَدَارُ الْأَفْرَمِ، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ بِمَيْدَانِ الْحَصَا عِنْدَ النَّهْرِ.

الصفحة 36