كتاب بذل النصائح الشرعية فيما على السلطان وولاة الأمور وسائر الرعية (اسم الجزء: 1)

فإن تعرض لتلك الأوقاف، وباعها بالبراطيل أو وضعها في غير مستحقها، فقد خرق حجاب الهيبة. فما يكون جزاؤه؟
قال جامعه: ووالله إني لم أزل متعجباً كل العجب من ولاة الأمور في زماننا، ومن ضاهاهم كيف يستكثرون على الفقيه أقل قليل من الرزق، ويرون أنه لا يستحق شيئاً من مال الله، الذي جعله بأيديهم، مع ما خولهم الله فيه من النعم التي لا يحصى عدها، فترى رزق أكبر فقيه في اليوم أو الشهر لا يصل إلى مقدار رزق أقل مملوك لهم، أو عبد أو غلام مع ما ينال الفقيه في تحصيل ذلك القليل، الذي هو من فضلات أرزاقهم من المشقة، والذل، والسؤال لمن ليس أهلاً للخطاب، ولا السلام، وترى رزق هؤلاء ونحوهم محمولاً لهم، مهنأ موفراً ميسراً غير محسودين عليه، آخذين له مع العز والقهر، معتقداً أكثرهم أن ذلك مما يستحقه دون غيره لكرامته عند الله.
هذا مع أن الفقيه هو السبب لجعلهم مسلمين ملوكاً في الدنيا، لأنه فاتحة كل خير يحصل لهم من نعيم الدين والدنيا، فإنه أول من يلقنهم الإسلام، وكلمتي الشهادة، ويعلمهم آداب الدين، وفرائضه من وضوء وصلاة وقراءة قرآن، وغير ذلك، ويعلمهم الكمالات الإنسانية التي يصيرون بها أهلاً لما (أهلهم الله له).
أما علم هو أنهم لا يرزقون، وينصرون إلا بهم، فقد ثبت في الصحيح أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: "إنما تنصرون، ويرزقون بضعفائكم". فالعلماء الصالحون هم الذين يحمون الشريعة، ويقيمون الدين، وهم صلاح الدين والدنيا،

الصفحة 152