كتاب بحوث ومقالات في اللغة

أخذ، وأن استخدام العامية لن يقطع الصلة بيننا وبين الفصحى. ولقد كذبوا في هذا وزيفوا وضللوا، فهم يعرفون تماما أن اللاتينية مثلا، كانت هي اللغة الأدبية في إيطاليا وفرنسا وأسبانيا في العصور الوسطى، وكانت العاميات المنتشرة في هذه البلاد، هي اللهجات الإيطالية والفرنسية والأسبانية، وهي عاميات لاتينية، تشبه العاميات العربية في صلتها بالفصحى. وقد أدى استخدام الأدباء والشعراء لهذه العاميات بعد ذلك، في إيطاليا وفرنسا وأسبانيا، وتركهم اللغة اللاتينية الأدبية الأم، إلى موت هذه اللغة، وانسلاخ العاميات عنها، وتكون اللغات الإيطالية والفرنسية والأسبانية، وهذا هو ما يريده دعاة العامية، وهو أن تتفكك لغتنا إلى لغات شتى، في أرجاء الوطن العربي.
وخلاصة القول أنه لا يحق لنا، أن نخلط الفصحى بالعامية، بدعوى أنها تمت إليها بصلة، فإن هذه لغة وتلك لغة أخرى، فمن ضاق بالفصحى من هؤلاء الأفاقين، فلا عليه أن يستخدم عاميته في أحاديثه وكتاباته، غير أنه لن ينتزع منها شهادة بأن هذه العامية هي والفصحى سواء. وإنا لهم بالمرصاد، والله الموفق.
أما هذا الخط الذي نكتب به لغتنا العربية، منذ مئات السنين، فلا شك في أنه خط غير مبرأ من العيوب، فالهمزة فيه لها مشاكل تعتاص على البراعم الصغيرة من أبنائنا في مراحلهم التعليمية الأولى، فهم يرونها تارة وقد كتبت على ألف، مثل: "سأل" وتارة أخرى على واو، مثل: "يؤمن"، وثالثة على ياء، مثل: "سئل"، ورابعة على السطر بلا حامل يحملها، مثل:

الصفحة 175