كتاب بحوث ومقالات في اللغة

كما يقول أبو علي الفارسي: "الياء في الأواخر وقعت موقع الألف في الوصل والوقف، وذلك لغة طيئ فيما حكاه "سيبويه" عن أبي الخطاب وغيره من العرب، وذلك قولهم في أَفْعَى: أَفْعَيْ ... كما أن ناسا يقولون: أفعيْ في الوقف، فإذا وصلوا قالوا: رأيت الأفعى فاعلم. وجعلت طيئ الحرف في الوصل والوقف ياء"1.
ويرى علماء العربية أن الألف المقصورة هي الأصل، وأن الياء في مثل: حبليْ وأفعيْ، في لهجة طيئ وغيرها، ليست إلا انقلابا لتلك الألف، انظر مثلا إلى قول ابن جني: "ومنهم من يبدل هذه الألفات في الوقف ياء"2.
غير أن الاطلاع على اللغات السامية من جانب، وتحكيم القوانين الصوتية من جانب آخر يدلان على أن مثل: حبليْ وأفعيْ بالياء، أسبق في سلسلة التطور اللغوي من: أفعى وحبلى بالألف.
فإن النظر إلى الأفعال الناقصة، مثل: رمى ودعا، وهي تماثل في صورتها هذه، صورة الأسماء المقصورة في الفصحى، يرينا أنها في أصلها الأول في اللغات السامية، كانت تتصرف تصرف الصحيح تماما. والدليل على ذلك وجود هذا الأصل القديم في اللغة الحبشية الجعزية، وهي إحدى اللغات السامية، ففيها مثلا يقال: "صَحَوَ" في: صحا، و"تَلَوَ" في: تلا، و"رَمَيَ" في: رمى. وليس الأمر مقصورا في الحبشية على الأفعال
__________
1 الحجة لأبي علي الفارسي 1/ 63-64.
2 المحتسب 1/ 77.

الصفحة 244