كتاب بحوث ومقالات في اللغة

وهذه الظاهرة -ظاهرة كسر حرف المضارعة- سامية قديمة، توجد في العبرية1، والسريانية2، والحبشية3. والفتح في أحرف المضارعة، حادث في رأيي، في العربية القديمة، بدليل عدم وجوده في اللغات السامية الأخرى، وبدليل ما بقي من الكسر في كثير من اللهجات العربية القديمة.
وهناك دليل ثالث على أصالة الكسر في حروف المضارعة، في اللغات السامية، وهو استمراره حتى الآن في اللهجات العربية الحديثة كلها؛ إذ نقول مثلا: "مين يِقرا ومين يِسمع؟ "، بكسر حرف المضارعة، في لغة التخاطب اليومية، ولم يبق فتح حرف المضارعة في اللهجات الحديثة -فيما أعلم- إلا في لهجة نجد، إذا كانت فاء المضارع ساكنة، مثل: يَرْمي، ويَلْعب، ويَرْكض. ولا يكسر حرف المضارعة في هذه اللهجة، إلا إذا كان ما بعده متحركا، مثل: يِسُوق، ويِنُوم "مضارع: نام"، ويسابق، ويلاكم، ويهاوش، وغير ذلك.
وقد بقيت بعض آثار هذا القديم، في العربية الفصحى نفسها، في بعض الأمثلة؛ إذ يكسر في الفصحى حرف المضارعة، في: "إِخال" بمعنى: "أظن" في كثير من النصوص التي وصلت إلينا. ومن شواهده قول أبي ذؤيب:
فغبرت بعدهم بعيش ناصب ... وإِخالُ أني لاحق مستتبع4
__________
1 انظر: Gesenius, Hebraische Grammatik, s 133.
2 انظر: Broc elmann, Syrische Grammatic , s 85.
3 انظر: Praetorius, Aethiopische Grammatik, s. 48.
4 ديوان الهذليين 1/ 8 والمنصف لابن جني 1/ 322.

الصفحة 267