كتاب البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح

فكيف عيسى عليه السلام يصعب الممكن صنعه، وبجعل الهين المصنوع ممتنعاً* (والمستحيل الغير ممكن صنعه يجعله هيناً) 1، فهذا الأمر لا يتصوره عاقل.
والذي يؤكد تزوير هذا المثال شرح صورته الصحيحة في إنجيل متى الإصحاح السادس2، حيث (ذكره بدون الجملة المزورة) ، التي هي "فإن كنتم لا تقدرون ولا ماهو صغير كيف تهتمون بالبواقي".3
__________
* حاشية: (اعلم أنه وإن قيل إن الاهتمام بالغد هو برتبة الممتنع كما ظنه بعض المفسرين، فلذلك جاز عندهم ضرب الممتنع بالممتنع. فالجواب عليه نقول: إن قدرنا أن الاهتمام بالغد ممتنع مع استحالته فالممتنع لا يمنع منه، لأنه لا ترد به شريعة مطلقاً، أي أن الشارع لا يحكم عليه بالمنع، لكونه إن منعه، وإن لم يمنعه غير ممكن للإنسان عمله. ومثال هذا: كما أنه إذا قال إنسان: إني أريد أن أطير اليوم مع الطيور، وأنا مهتم بذلك، فلا يقتضي من العقلاء أن يمنعوه، لأنه ممتنع طيرانه بالطبع. ثم نقول: والنتيجة من ذلك إن قالوا: إن الاهتمام بالغد ممكن، فقد ورد عليه الجواب من المؤلف رحمه الله تعالى، وإن قالوا: إنه ممتنع، قلنا: إن الممتنع لا يمنع منه، وجميع الأجوبة التي تقدر في هذا الباب تدخل تحت هذين الحدين: إما ممكن أو ممتنع، وكلاهما منقوضان. ثم نرى أن الاهتمام بالغد، الذي جعله المزور ممتنعاً، وأسنده إلى عيسى عليه السلام هو أمر طبيعي مرتبط بالرجاء الطبيعي، لأن القمح مع أكثر المزروعات لا تخرج من الأرض إلا سنوياً في أيام معلومة، وبالضرورة يلتزم البشر في حفظها ويهتمون لصيانتها ليكمل معاش السنة. وقد يلحظ من كل ماذكرنا أن المزور على عيسىعليه السلام في هذا المثال، -إن الاهتمام بالغد هو أبلغ من التطويل للقامة -هو رجل مبغض لعيسى عليه السلام.
1 ما بين القوسين ليس في. د ولابد منه ليتم الكلام.
2 إنجيل متى 6: 25-29 فقد ورد فيه المعنى السابق إلا أنه لم يذكر فيه الجملة الأخيرة التي أشار إليها المصنف رحمه الله
3 لوقا 12: 26.

الصفحة 277