كتاب البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح

موسى عليه السلام لما خرج بنو إسرائيل من مصر كان عمره ثمانين سنة، فتكون جملة السنين المجموعة مائتين وعشرة سنين.
وهذا التقدير يطابق حسب دفاتر اليهود الموجودة عندهم في التلمود.
فأين غلاقة الأربعمائة وثلاثين سنة المكتوبة في سفر الخروج، لأن الفرق ههنا مائتا سنة وعشرون سنة. *
__________
* حاشية: (قد يقول تلمود اليهود مع مفسري النصارى أن مدة العبودية قد تحسب من حين خروج إبراهيم من أرض الكلدانيين، وإتيانه إلى أرض كنعان، إلى حين خروجهم من إرض مصر، فهذه المدة تصير قريبة من الأربعمائة وثلاثين سنة، ويستندون على التوراة اليونانية بحيث أنها تذكر في سفر الخروج أن جميع ما سكن بنو إسرائيل في أرض مصر وأرض كنعان أربعمائة وثلاثون سنة. فأقول: إن ههنا ظهر لنا من هذا الكلام تحريفا آخر في التوراة اليونانية، حيث إنها تقول أربعمائة وثلاثون سنة في أرض مصر وأرض كنعان، وفي التوراة العبرانية التي هي الأصل تذكر أن إقامتهم كانت في أرض مصر، وفي قول التوراة الأخرى في أرض مصر وأرض كنعان. وأيضا أقول: إن الذي يزيف تفسير التلمود هذا، ويبين تحريف التوراة اليونانية هو نفس نسق العبارة القائلة إن جميع ما سكن بنو إسرائيل في مصر، ولم يقل إن جميع ما سكن إبراهيم وبنو إبراهيم كما فسره التلمود، لأنه إذا كان مراد التلمود أن يحسب الأربعمائة وثلاثون سنة من دخول إبراهيم أرض كنعان، لكن ينبغي أن التوراة تقول: إن جميع ماسكن إبراهيم وبنو إبراهيم وليس كما قالت: إن جميع ما سكن بنو إسرائيل، لأنه يوجد فرق بليغ فيما بين اسم إبراهيم وإسرائيل، عدا فرق السنين التي بينهما.
وأيضا أقول: إن أرض كنعان التي أسندوا إليها تحريفهم لا تحسب أرض عبودية وضيق، لأنها هي الأرض التي أعطاها الله سبحانه وتعالى إلى إبراهيم حين أخرجه من أرض الكلدانيين، وأسكنه فيها وأوعده أن يعطيها لنسله أيضا، فكيف تعد بأرض أسر وعبودية، كما زعمت التوراة اليونانية، المضادة للتوراة العبرانية، القائلة في أرض مصر.
والذي يؤكد ذلك (قولهم: إن الله قال) لأبراهيم في الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين "وأني سأعطي لك ولنسلك أرض غربتك جميع أرض كنعان ملكا أبديا".
حاشية (أخرى) (اعلم أن من بعد قول الله لإبراهيم وأنه يعطي له ولنسله جميع أرض كنعان، فما عاد يجوز عند العقلاء ولاعند الشرع أن تحسب أرض كنعان بأنها أرض أسر وعبودية، لأن الإيهاب لايعد تارة نعمة وتارة نقمة.

الصفحة 293