كتاب البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح

وأما بعض النصارى (فقد تطرفوا حيث) بالغوا في اعتنائه [تعالى] بالبشر، وغلوا، حتى إنهم (قد قعدوا قاعدة) لهذه المبالغة والغلو1، وأخذوها عن رجل عندهم اسمه بولص2، [مؤولين كلامه ومفسرينه] أن جميع البشر هالكين بخطيئة جدهم آدم، حتى سيدنا إبراهيم، وسيدنا موسى، وباقي النبيين عليهم السلام هم في الأسر تحت يد إبليس وسلطانه، وأنهم مفتقرون لإله يخلصهم، حتى غلوا في دينهم3، لأنهم لما
__________
* حاشية: (اعلموا أن ذلك الغلو [الذي ذكره المؤلف] قد أشار إليه تعالى في القرآن الشريف (مناديا به وقائلا) {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَق} النساء آية (171)
2 بولس (شاؤول اليهودي) هو أول من حرف الديانة النصرانية، وادعى أن المسيح هو ابن الله، وأنه نزل ليصلب تكفيراً للخطايا، ورسائله وكتبه هي التي تشكلت منها الديانة النصرانية، وهي أربع عشرة رسالة ضمن ما يسمونه بالعهد الجديد.
3 بولس في رسالته إلى رومية 5: 12 قال ((من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع. لكن قد ملك الموت من آدم إلى موسى وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم الذي هو مثال الآتي. لأنه إن كان بخطية واحد مات الكثيرون فبالأولى كثيراً نعمة الله والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين)) .
فهذا النص هو من أهم النصوص لديهم في الدلالة على أن موت المسيح كان كفارة لخطيئة آدم. والواقع أن النص لا يدل على ذلك، بل غاية ما فيه أنه يدل على أن آدم عليه السلام لما أخطأ حل عليه الحكم الذي نصوا عليه في التوراة في سفر التكوين 2: 16، وفيه ((وأوصى الرب الإله آدم قائلاً من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت)) .
فهذا الموت الذي ذكروه أصاب آدم وأصاب ذريته بسبب الأكل من الشجرة، ومع أنه كلام ظاهر بطلانه من ناحية أن الله لو كان أوصى آدم أن لا يأكل منها، لأن في أكلها موته لما أكل منها، مثل أي إنسان يحذر من شيء أن فيه موته فسيتجنبه ولا يأكل منه.
والمهم هنا بيان أن كلام بولس لا يدل على ما ادعاه النصارى وتعلقوا به، من أن خطيئة آدم انتقلت إلى أبنائه وصاروا جميعاً خطاة، وأن المسيح جاء ليفتدي الناس من تلك الخطيئة، وأنه لا نجاة لأحد إلا بالإيمان بالمسيح المصلوب، فهذه كلها دعاوى لا أساس لها من الإنجيل، ولا حتى الرسائل الملحقة بها، وإنما هي من مخترعات المتأخرين من النصارى وافتراءاتهم وترقيعاتهم لخرافات ديانتهم.

الصفحة 320