كتاب البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح

ثالثاً: إن بعضاً من النصارى القدماء قد كان يعتقد بأن اللاهوت هو مصاحب الناسوت مصاحبة، أوكما يقال إن الله يحل في الصالحين، وأن سيدنا عيسىكان إنساناً خالصاً1 كالأنبياء وليس إلهاً وإنسانا2،
__________
1في النسختين "ساذجا" والساذج: بكسر الذال وفتحها، معرب. يطلق فيما كان على لون واحد لم يخالطه غيره من الألوان. انظر: تاج العروس 2/58. فلعل مراد المصنف أن عيسى عليه السلام إنسان خالص، وبشر خالص، لم يخالط ذاته ألوهية ولا أرى مناسبة إطلاقها على الأنبياء، لأن الساذج في العرف هو من كان من الناس ضحل التفكير وضعيفه، فإطلاقها على الأنبياء يوجد اللبس.
2 هذا القول مما نسب إلى نسطور وسيأتي التعريف به ص 67، الذي كان رئيس أساقفة القسطنطينية، والقول المنسوب إليه هنا يعني أن: المسيح بشر مخلوق وليس بخالق، وأن الله عندهم اتحد به اتحاداً معنوياً، أشبه شيء بالاتصال والقرب عن طريق الأنس والرضوان. وهذا القول ينسبه إليه ابن البطريق، والكتاب النصارى الذين يؤيدون قول رئيس أساقفة الإسكندرية كيرلس، الذي حمل على نسطور، ودعا إلى مجمع أفسس سنة 431م، وخرج بقرار الطبيعة الواحدة في المسيح، وهي طبيعة إلهية بشرية عندهم، ثم لعنوا نسطور، وحكموا عليه بالنفي، فمات منفياً سنة 450م. وينسب هذا القول إلى نسطور أكثر الكتاب المسلمين، ويعتبرونه بهذا موحداً. أما الكتاب الغربيون وهم في الغالب ضد كيرلس أسقف الاسكندرية فيدافعون عن نسطور، ويقولون إنه لم ينكر ألوهية المسيح، إنما علم أن المسيح له طبيعتان منفصلتان، وهما الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية، وأن مريم ولدت الإنسان وليس الإله. وبهذا يرى هؤلاء الكتاب أن خطأ نسطور ليس كبيراً، مادام يقر بلاهوت المسيح، وتراهم يطعنون في كيرلس أسقف الإسكندرية، أو يهمزونه. انظر: فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحية، ص304، ومحاضرات في النصرانية، ص157، وتاريخ الفكر المسيحي 2/170، ومختصر تاريخ الكنيسة 1/340.

الصفحة 70