كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 1)

موضعهما بعد الفعل لقيل: (نعبدك ونستعينك) فلما كان كل واحد من الفعلين يقع على (الكاف) (¬1) في تأخرها وقع على (إياك) في تقدمه (¬2). والقول هو الأول (¬3)؛ لأن العرب إذا جمعت فعلين واقعين اكتفت بوقوع أحدهما من وقوع الآخر، فيقولون: قد أكرمتك وألطفت (¬4). قال الله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3] أراد (وما قلاك) فاكتفى بوقوع الأول من وقوع الثاني (¬5).
ويقال: لم قدم ذكر العبادة على المعونة، وإنما المعونة بها تكون العبادة؟
والجواب: أن الواو عند النحويين لا توجب ترتيبا (¬6)، وإنما هي للجمع (¬7)، يدل على ذلك أنه لو اتفقت الأسماء لم
¬__________
(¬1) في (ج): (الكائن).
(¬2) ذكر نحوه ابن جرير 1/ 71. قال أبو حيان: كرر (إياك) ليكون كل من العبادة والاستعانة سيقا في جملتين، وكل منهما مقصودة، وللتنصيص على طلب العون منه ...)، "البحر المحيط" 1/ 25. وقال أبو السعود: (تكرير الضمير المنصوب للتنصيص على تخصيصه تعالى بكل واحدة من العبادة والاستعانة)، أبو السعود 1/ 17، وانظر ابن كثير 1/ 28.
(¬3) أي كرر للتوكيد، واختار ابن جرير الثاني 1/ 71.
(¬4) قال ابن جرير: إن الأفصح إعادة الضمير مع كل فعل اتصل به، فيقال: (اللهم إنا نعبدك ونستعينك ونحمدك ونشكرك) .. وإن كان ترك الإعادة جائزا. انظر الطبري 1/ 71.
(¬5) قال أبو حيان: حذف المفعول اختصارا في (قلى) إذ يعلم أنه ضمير المخاطب وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم -. "البحر المحيط" 8/ 485، وقال الرازي في حذف الكاف وجوه:
1 - اكتفاء بالكاف في (ودعك)، ولأن رؤوس الآيات بالياء، فأوجب اتفاق الفواصل حذف الكاف.
2 - الإطلاق، أنه ما قلاك، ولا أحدا من أصحابك، ولا أحدا ممن أحبك. الرازي 31/ 209، وانظر القرطبي 20/ 94.
(¬6) انظر: "الكتاب" 3/ 42، "سر صناعة الإعراب" 2/ 632.
(¬7) وعليه فتقديم الخبر عن العبادة وتأخير مسألة طلب المعونة، ليس من باب الترتيب، واختار الطبري هذا قال: (.. كان سواء تقديم ما قدم منهما على صاحبه ... ثم قال: =

الصفحة 517