تَعَالَ فِإنْ عَاهَدْتَنِي لا تَخُونُنِي ... نكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَحِبانِ (¬1)
وإنما جاز ذلك في (من)؛ لأنه مبهم جامد لا يتصرف ولا يتبين فيه الإعراب ولا العدد، وكذلك (ما) إلا أن (من) لبني آدم والموصوفين بالعقل، و (ما) لغيرهم. وعلى هذا (¬2) يحكى أن جريرًا أنشد قوله:
يَا حَبَّذَا جَبَلُ الرَّيانِ مِنْ جِبَلٍ ... وَحَبَّذَا ساكِنُ الرَّيانِ مَنْ كَانَا (¬3)
فقيل له: وإن كان ساكنه (¬4) قرودًا؟ فقال: إنما يلزمني هذا لو قلت: ما كانا، وربما عاقب (ما) مَنْ على السعة كقوله: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5]، على تأويل: ومن بناها (¬5) وإنما ترخصوا في ذلك لأنهم قد يبدلون النون الخفيفة ألفا، كما قالوا: رأيت رجلًا، في الوقف، فالألف فيه بدل من التنوين، ومثله قوله: {لَنَسْفَعًا} [العلق: 15]، قول الشاعر:
¬__________
(¬1) البيت من الشواهد النحوية المشهورة، ورد في "الكتاب" 2/ 416، "المقتضب" 2/ 494، 3/ 253، و"الأصول" في النحو 2/ 297، و"شرح أبيات سيبويه" للسيرافي 2/ 84، "مغني اللبيب" 2/ 404، "الكامل" 1/ 368، و"طبقات فحول الشعار" 1/ 366، "الأضداد" لابن الأنباري ص 330)، "المخصص" 17/ 55، والطبري 1/ 371، "تفسير الثعلبي" 1/ 80 أ، "تفسير ابن عطية" 1/ 329، "تفسير القرطبي" 1/ 371، والهمع 1/ 300، و"ديوان الفرزدق" 2/ 329، وفي بعض المصادر (تعش) بدل (تعال). والشاهد: أنه ثنى (يصطحبان) لمعنى (من).
(¬2) (على هذا) ساقط من (ب).
(¬3) قوله: (الريان): اسم جبل أسود عظيم في بلاد طيئ، انظر: "معجم ما استعجم" 2/ 690، "معجم البلدان" 2/ 111، وقد ورد البيت أيضًا في "جمل الزجاجي" ص 110، و"شرح الجمل" لابن عصفور 1/ 611، و"اللسان" (حبب) 1/ 744، و"شرح المفصل" 7/ 140، و"الهمع" 5/ 45، و"ديوان جرير" ص 490.
(¬4) (ساكنه) ساقط من (ب).
(¬5) انظر: "تفسير الطبري" 30/ 209. (ط/ الحلبي).