كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 3)

على لفظ الغيبة من حيث كان اللفظ لها، وجاز أن يكون على لفظ المخاطب لأنك تحكي حال الخطاب وقت ما تخاطب به. ألا ترى أنهم قد فرأوا قوله: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سيُغلَبون ويُحْشَرونَ إلى جَهَنَم} [آل عمران: 12] على لفظ الغيبة، وبالتاء على لفظ الخطاب (¬1)، على حكاية حال الخطاب في وقت الخطاب (¬2)، فإذا كان هذا النحو جائزًا جاز أن تجيء القراءة بالوجهين جميعا، ويجوز في قياس العربية في قوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]، الخطاب (على حكاية) (¬3) حال الخطاب.
فأما قوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ} [البقرة: 84]، وهذا لا يجوز (أن يكون) (¬4) إلا على الخطاب؛ لأن المأخوذ ميثاقهم مخاطبون (¬5)، ولأنك إن حكيت الخطاب كان التقدير: (أخذنا ميثاقكم فقلنا لكم: لا تسفكون) كان بالتاء.
فحجة من قرأ بالتاء (¬6) قوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ} [آل عمران: 81] فجاء على الخطاب، ويقويه قوله: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ} .. الآية. فإذا كان هذا خطابًا وهو عطف على ما تقدّم وجب أن
¬__________
(¬1) قرأ حمزة والكسائي وخلف بالياء على الغيب في: (سيغلبون، يحشرون) وقرأ الباقون بالخطاب. ينظر: "السبعة" ص162، و"النشر" 2/ 238.
(¬2) ينظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 54.
(¬3) في (م): (الحكاية على حال الخطاب).
(¬4) ساقطة من (م).
(¬5) في (م): (مخاطبين).
(¬6) أي في قوله: (لا تعبدون).

الصفحة 106