ويحتمل على هذا الاشتقاق: أنه أراد: هم وسط بين طرفين:
أحدهما: الغلو.
والثاني: التقصير، وهما مذمومان، وهذا قول الكلبي (¬1).
قال أهل المعاني: لما صار ما بين (¬2) الغلو والتقصير خيرًا منهما (¬3) صار الوسط، والأوسط عبارة عن كل ما هو خير، وإن لم يتصور فيه الغلو والتقصير، حتى قالوا: هو من أوسطهم نسبًا، أي: خيرهم، قال الله تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: 28] قيل في تفسيره: خيرهم وأعدلهم (¬4)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خير هذا الدين النمط الأوسط" (¬5). فعلى هذا، أمة
¬__________
= ذكره بهذا اللفظ الجاحظ في "البيان والتبيين" 3/ 325، لكنه قال: يرضى الإله. وهو تحريف مفسد للمعنى، وذكره ابن قتيبة في "غريب القرآن" ص 63، ولم ينسبه، وذكره الطبري في "تفسيره" 2/ 6، والثعلبي 1/ 1234، والسمعاني 2/ 80، وأبو حيان في "البحر المحيط" 1/ 418، والسمين في "الدر المصون" 1/ 393، وقال المعلق على "تفسير الطبري" 2/ 6: البيت من معلقة زهير، وروايته كما في "ديوانه" بشرح ثعلب، وفي شرحي التبريزي والزوزني للمعلقات، وكما في جمهرة أشعار العرب للقرشي:
لحيٍّ حلال يعصم الناس أمرهم ... إذا طرقت إحدى الليالي بِمُعْظَمِ
(¬1) ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1234، وذكره البغوي في "تفسيره" 1/ 158.
(¬2) من قوله: (الغلو)، ساقط من (ش).
(¬3) في (ش): (مبهمًا).
(¬4) ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1234.
(¬5) قال العراقي في "تخريج الإحياء" 1/ 106: حديث: "عليكم بالنمط الأوسط"، رواه أبو عبيد في "غريب الحديث" موقوفا على علي بن أبي طالب، ولم أجده مرفوعا، وذكره في "اللسان" 8/ 4833 "وسط" من كلام علي. وفي "تفسير القرطبي" 2/ 140 - 141: "عليكم بالنمط الأوسط، فإليه ينزل العالي وإليه يرتفع النازل". والنمط: جماعة من الناس أمرهم واحد، وقيل هو الطريقة.