كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 3)

عليهم، امتحانًا واختبارًا؛ ليظهر إيمان المؤمن عند صبره على ما يحبّ، ويتبين نفاق المنافق عند خلافه ربَّه في إيثاره هواه، فكأنه قال: تعبدناكم بالصلاة إلى بيت المقدس برهةً من الدهر؛ لنمتحنكم بذلك، ونختبركم.
وعلى هذا التأويل خبر {جَعَلْنَا} محذوف، معناه: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبلة إلا لهذا، فحذف المفعول الثاني؛ لإحاطة العلم، ويقال: إن {جَعَلْنَا} هاهنا لا يقتضي (¬1) مفعولًا ثانيًا؛ لأنه في تأويل نصبنا.
وقال بعضهم: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما (¬2) هاجر إلى المدينة أمر بالتوجه إلى الكعبة مخالفة لليهود وامتحانًا للمؤمنين، وعلى هذا التأويل (¬3) تقدير الآية: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} فيكون من باب حذف المضاف (¬4)، ويحتمل أن يكون التقدير: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة، فأضمر المفعول الثاني، كما ذكرنا في الوجه الأول.
وتحتمل الآية على هذا التأويل وجهًا ثالثًا، وهو أن {كُنْتَ} بمعنى: أنت (¬5)، والتقدير: وما جعلنا القبلة التي أنت عليها -وهي: الكعبة- قبلةً،
¬__________
(¬1) في (ش): (تقتضي).
(¬2) ساقطة من (ش).
(¬3) في (م): (وعلى هذا التقدير تأويل الآية).
(¬4) ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1236.
(¬5) ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1236، "البغوي" 1/ 159، "الكشاف" 1/ 199، وروي هذا عن ابن عباس.
ينظر: "البحر المحيط" 1/ 423، وقال: وهذا من ابن عباس إن صح: تفسير معنى، لا تفسير إعراب؛ لأنه يؤول إلى زيادة كان الرافعة للاسم والناصبة للخبر، وهذا لم يذهب إليه أحد.

الصفحة 377