فإنَّ من مات منكم وهو يصلي إلى بيت المقدس مات على الضَّلالة، وكان قد مات رجال من المسلمين قبل تحويل القبلة، فانطلق عشائرهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يارسول الله، صرفك الله إلى قبلة إبراهيم، فكيف بإخواننا الذين ماتوا منا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (¬1) أي: تصديقكم بأمر تلك القبلة.
قال الفراء: أسند الإيمان إلى الأحياء من المؤمنين، والمعنى: فيمن مات من المسلمين. وإنما أضيف إلى الأحياء؛ لأن الذين ماتوا على القبلة الأولى كانوا منهم. فقال: {إِيمَانَكُمْ} وهو يريد: إيمانهم؛ لأنهم داخلون معهم في الملة، وهو كقولك للقوم: قد قتلناكم وهزمناكم، يريد: قتلنا منكم، فيواجههم بالقتل وهم أحياء (¬2).
ويمكن أن يحمل على العموم، بأن أراد: إيمان الأحياء والأموات (¬3).
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} الرأفة: أخص من
¬__________
(¬1) روي بهذا اللفظ في: "تفسير الطبري" 2/ 17، "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 251، "تفسير مقاتل" 1/ 74، "تفسير الثعلبي" 1/ 1239، "الكفاية" للحيري 1/ 79، "أسباب النزول" للواحدي ص 45 - 46، "تفسير البغوي" 1/ 123. وروى البخاري (40) كتاب الإيمان، باب: الصلاة من الإيمان، عن البراء بن عازب أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا، فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى: (وما كان الله ليضيع إيمانكم).
(¬2) ينظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 83 - 74.
(¬3) ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 18.