كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 3)

(ألقيت) كقولك: أسقطت، ولو كان منه زاد مفعول آخر في الكلام، ولم يحتج في تعديته إلى المفعول الثاني إلى حرف الجر في قولك: ألقيت متاعك بعضه على بعض، كما لم يحتج إليه في قولك: ضرب زيد عمرًا، وأضربته إياه، ونحو ذلك. فكذلك: وَلَّيْتُكَ قبلةً، من قولك: وَلِيتُ، كألقيت، من قولك: لَقِيتُ (¬1).
وقد جاءت هذه الكلمة مستعملة على خلاف المقابلة والمواجهة، وذلك نحو: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ} [البقرة: 83] {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى} [يوسف: 84] {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [البقرة: 64] {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس: 1] {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} [النجم: 29]، فهذه مع (¬2) دخول الزيادةِ الفِعْلَ. وفي غير الزيادة قوله: {وَلَّى مُدْبِرًا} [النمل: 10]، وقوله: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25]، وقوله: {مُدْبِرِينَ} حال مؤكدة؛ لأن في {وَلَّيْتُمْ} دلالة على أنهم مدبرون، وهذا على نحوين: أما ما لحق التاءُ أولَّه، فإنه يجوز أن يكون من باب: تَحَوَّب (¬3) وتأثم، إذا ترك الحُوب (¬4) والإثم، فكذلك إذا ترك الجهة التي هي المقابلة. وأما الذي لا زيادة فيه، فيجوز أن تكون الكلمة استعملت على الشيء وعلى خلافه، كالحروف المروية في الأضداد، وقد روي في الأضداد: ولّى: إذا أقبل، وولّى: إذا أدبر (¬5).
¬__________
(¬1) من كلام أبي علي في "الحجة" 2/ 230.
(¬2) في (ش): فهذا (دخول).
(¬3) في (أ)، (م): (تحرب).
(¬4) في (أ)، (م): (الحرب).
(¬5) من كلام أبي علي في "الحجة" 2/ 231 - 232 بمعناه.

الصفحة 388