كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 3)

وقوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} قال أهل التفسير: أراد: إلى الخيرات، فحذف حرف الجر (¬1)، كقول الراعي:
ثنائي عليكم يَا ابْنَ حَرْبٍ وَمَنْ يَمِلْ ... سواكم فإني مهتدٍ غيرُ مائل (¬2)
قال النحويون: ودعوى (¬3) الحذف لا يطرد هاهنا، وليس (¬4) الحذف من ضرورة هذا الكلام، فإن العرب تقول: استبقنا موضع كذا، أي: قصدناه متسابقين، كقوله تعالى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} [يوسف: 25] وقوله: {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} [يس: 66] وقلَّ ما تراه مستعملا مع الخافض.
وقوله تعالى: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ} قال الفراء: إذا رأيت حروف الاستفهام قد وُصِلت بـ (ما) مثل: أينما، ومتى ما، وكيف ما {أَيًّا مَا تَدْعُوا} [الإسراء: 110] كانت جزاء ولم تكن استفهامًا. فإذا لم توصل بـ (ما) كان الأغلب عليها الاستفهام، وجاز فيها الجزاء، فإذا كانت جزاءً جزمت الفعلين، الفعلَ الذي مع أينما وأخواتها، وجوابَه، كقوله: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ}. فإذا أدخلت الفاء في الجواب، رفعت الجواب فقلت في مثله من الكلام: أينما تكن فآتيك، ومثله قوله: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ} [البقرة:
¬__________
(¬1) ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1249، "تفسير البغوي" 1/ 164،"البحر المحيط" 1/ 439، "الدر المصون" 1/ 407.
(¬2) البيت للراعي النميري، في مدح يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ينظر "ديوانه" ص 191، "تفسير الثعلبي" 1/ 1249، "البحر المحيط" 1/ 439، "الدر المصون" 1/ 407 وموضع الشاهد قوله: ومن يمل سواكم، أراد: ومن يمل إلى سواكم.
(¬3) في (ش): (ومعنى دعوى).
(¬4) سقطت من: (ش).

الصفحة 402