أثبت وأدوم (¬1)، وذلك أن المشركين كانوا يعبدون صنمًا فإذا رأوا شيئًا أحسن منه (¬2) تركوا ذلك، وأقبلوا على عبادة الأحسن (¬3). وقال قتادة: إن الكافر يعرض عن معبوده في وقت البلاء، ويقبل على الله عز وجل، ألا ترى إلى قوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} الآية [العنكبوت: 65]، والمؤمن لا يُعرض عن الله في السرّاء والضرّاء والشدة والرخاء، ولا يختار عليه سواه (¬4).
وقيل: لأن المؤمنين يوحدون ربهم، والكفار يعبدون مع الصنم أصنامًا، فتنقص محبة الواحد، بضم محبة مجمع إليه، والذي لا يعبد إلا واحدًا محبته له أتم. وهذه الأقوال على طريقة من لم يثبت للمشركين محبة لله. فأما من أثبت لهم محبة لله فالمؤمنون أشد حبًّا منهم؛ لأن الكفار يقولون: إن الله خالقنا ورازقنا، ثم يجعلون معه شركاء، فتضعف محبتهم، وتنقص بذلك، وتتم محبة المؤمنين ربّهم بإفرادهم إياه في العبادة (¬5).
وهذا معنى قول الحسن: إن الكافرين عبدوا الله بالواسطة، وذلك قولهم للأصنام: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] وقولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ} [الزمر: 3] والمؤمنون يعبدونه بلا واسطة، لذلك قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}، (¬6) ومعنى حب المؤمنين الله:
¬__________
(¬1) في (م): (ودا).
(¬2) في (م): (أخير).
(¬3) ذكره الثعلبىِ في "تفسيره" 1/ 1315، والسمعاني في "تفسيره" 2/ 121، والبغوي 1/ 178 ولم ينسبه لابن عباس.
(¬4) "تفسير الثعلبي" 5/ 1311، وذكره البغوي في "تفسيره" 1/ 178 - 179، والواحدي في "الوسيط" 1/ 236.
(¬5) ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1315 - 1316.
(¬6) في "تفسير الحسن البصري" 1/ 94، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1315.