وقوله تعالى: {إِلَّا اَلنَّارَ} أي: إلا ما هو عاقبته النار، كما روي في حديث الشارب من آنية الفضة: "إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" (¬1) وكقوله: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10]؛ وقوله: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36]، أي: عنبًا، فسماه باسم ما يؤول إليه (¬2).
وقوله: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. قال المفسرون: أي: لا يكلمهم كلاما ينفعهم ويسرهم، فأما التهديد والمناقشة فقد تكون.
وقيل: معناه: أنه يغضب عليهم؛ لأن ترك التكليم علامة الغضب.
وقيل: لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية (¬3).
{وَلَا يُزَكِّيهِمْ}: لا يطهرهم من دنس ذنوبهم، ولا يثني (¬4) عليهم (¬5).
175 - قوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} معنى الفاء هاهنا: الجواب لما تقدم، وذلك أن ما قبله من الكلام وهو قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (5643) كتاب الأشربة، باب: آنية الفضة، ومسلم (2065) كتاب اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال أواني الذهب. وقوله (يجرجر) يعني به صوت وقوع الماء في الجوف، وإنما يكون ذلك عند شدة الشرب. ينظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 154.
(¬2) ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1357، "البحر المحيط" 1/ 492.
(¬3) ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1358، وعزاه لأهل التفسير، "تفسير الطبري" 2/ 90، وقد اختار الأول، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 245، "زاد المسير" 1/ 176. والقولان الأخيران فيهما عدول عن ظاهر اللفظ، وتأويل للصفة.
(¬4) في (أ)، (م): (لا يثني).
(¬5) ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 90، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 245، "تفسير الثعلبي" 1/ 1358، "زاد المسير" 1/ 153، وذكر ثلاثة أقوال: لا يثني عليهم، قاله الزجاج، ولا يزكي أعمالهم، قاله مقاتل، ولا يطهرهم من دنس كفرهم، قاله ابن جرير.